وعلى الأول يكون في الآية الحذف من الأول بدلالة الثاني أي وجود المحذوف فيه وهو كلمة (أَذاعُوا بِهِ) وهذا الخوف من محسنات البديع في الكلام، وقد يكون على العكس كما في الآية ٣٠ من آل عمران المارة، وشاهد الأول قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
وقوله:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريا ومن أجل الهوى رماني
وشاهد الآخر قوله:
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّي وقيار بها لغريب
«وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» ببعثه هذا الرسول إليكم وإنزال هذا القرآن عليكم بواسطته ولطفه بكم، وتوفيقه وهدايته لكم أيها الناس «لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا»(٨٣) ممن أوتي عقلا سليما وتؤدة كاملة.
[مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:]
قال تعالى «فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يا رسولي «لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ» والله ناصرك ومؤيدك ولو كنت وحدك «وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ» على القتال معك جهادا في سبيلي، ولا تقسرهم وتعنفهم عليه فمن شاء فليقاتل معك من تلقاء نفسه، ومن شاء فليتخلّف حتى يكون رائدهم عن طيب قلب وخلوص نية ورغبة في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وخذلان أعدائه. وهذه الآية تشير إلى ما ذكرناه في الآية ١٧٣ من آل عمران المارة من أن أبا سفيان عند انصرافه من وقعة أحد واعد النبي صلّى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى كما أوضحناه هناك. وسبب كراهة بعض أصحاب الرسول الخروج معه إلى بدر الصغرى هو ما ألقاه في قلوبهم رسول أبي سفيان نعيم بن مسعود الأشجعي من الأراجيف التي ذكرناها هناك، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجنّ لهم ولو وحدي. فتبعه الشجاع وتخلف الجبان وعادوا رابحين دون أن يقع قتال لتخلف أبي سفيان وقومه عن الميعاد، وقد أشار الله لهذه الحادثة في هذه الآية الكريمة بقوله جل قوله «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ