بأن يدفع بطشهم وشدتهم، وقد فعل حيث ألقى في قلوبهم الرعب، ورجعوا من الطريق «وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً» منهم وأعظم صولة وأكبر جولة «وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا»(٨٤) عذابا وعقوبة من غيره. قال تعالى «مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها» حظ وافر له منها في الدنيا من ثناء الناس عليه وضرب المثل به، وفي الآخرة الثواب العظيم والأمر الجسيم عند الله «وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها» نصيب مضاعف وهو مذمة الناس عليها في الدنيا، وضرب المثل بسوء فعله، وفي الآخرة عقاب الله وعذابه. وهذه الآية لها ارتباط بما قبلها بان يكون صدرها عائد لحضرة الرسول من أجل تحريض قومه على الجهاد، لأن له فيه حظا وافرا لما فيه من سعادة قومه ورضاء الله وعجزها لرسول أبي سفيان لما في كلماته التي فاه بها بين أصحاب الرسول المبينة في الآية المذكورة من آل عمران من الوزر العظيم له عند الله والغضب من حضرة الرسول وأصحابه في الدنيا. وهي عامة المعنى لتصدرها بمن الدالة على العموم «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً»(٨٥) مقتدرا من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه، قال الشاعر:
وذي ضغن كففت الشر عنه ... وكنت على إساءته مقيتا
أي مقتدرا. وإن الله القادر على كل شيء المكافي على كل شيء سيجازي شفيع الخير خيرا وأجرا وشفيع الشر وزرا وشرا. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالسا فجاء رجل ليسأل فأقبل علينا بوجهه وقال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء. ومن هنا شرع الرجاء بالحق وفيما كل ما لا يوجب ضرر الغير، وإن الرجل يحاسب على جاهه كما يحاسب على ماله، وكما أن البخل بالمال مذموم فالبخل بالجاه مذموم بل البخل بالجاه ادعى للمذمتة من البخل بالمال، قال في هذا القائل:
لعمرك ان البخل بالمال شنعة ... وبخلك بين الناس بالجاه أشنع
فأحسن إذا أوتيت جاها فإنه ... سحابة صيف عن قليل تقشع
وكن شافعا ما كنت في الدهر قادرا ... فخير زمان المرء ما فيه يشفع