ولا شك أن الشفاعة تكون بالأمور المعقدة ولمن لا يؤبه بهم أكثر من غيرهم أجرا عند الله تعالى. وعلى كل فعلى العاقل أن يستعين بعد الله تعالى على قضاء حاجته بخيار الناس لأنهم يقدرونها قدرها ولله در القائل:
لله درّ النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار
وقد قال صلّى الله عليه وسلم أبلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغها، فمن أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، والمراد بالسلطان كل من يقدر على قضاء الحاجة من موظفي الدولة مهما كانت رتبته ولا سيما إذا كان المحتاج من أهل العلم فيجب إكرامه بقضاء حاجته أكثر من غيره لئلا تجهل الرعية حقه، وإذا أكرم العالم صفا ذهنه فزاد النفع به. وعلى من وجد مظلوما أن يأخذ بيده ويقضي حاجته ما استطاع عسى الله أن يقضي حوائجه في الآخرة على أن يكون الاعتماد بقضاء الحاجة على الله مهما كان الوسيط كبيرا، قال:
واشدد يديك بحبل الله معتصما ... فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شرّ من عزّوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان
قال تعالى:«وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا» أيها الناس من حياكم «بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» بنفسها بلا زيادة ولا يكون لكم فضل عليه لأنها بمقابلة تحيته والفضل للبادئ لأنه لو لم يبدأكم بالتحية فليس عليه غير العتاب، أما الذي لا يردها بتاتا فإنه يأثم لأن البدء بالتحية سنة والرد واجب. ومن يردّ بأقل مما بدىء به يأثم أيضا لمخالفته نص الآية، تدبر واعمل بما يرضي الله. «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً»(٨٦) فلأن يحاسب العبد على هذا من باب أولى. واعلم أن التحية ما يحيي بها الرجل صاحبه وقد بدل الإسلام ألفاظ تحايا الجاهلية كحياك الله وبياك وأنعم صباحا ومساء، وأطال الله بقاك، بالسلام الذي هو تحية الإسلام وأهل الجنة كما المعنا إليه في الآية ١٩٩ من آل عمران المارة لأن طول الحياة بلا سلام من الآفات مذمومة وإنعام الصباح والمساء بلا أمان منغصة، فلرب حياة الموت خير منها وفيه قال: