تطعه بوساوسه في كل ما هو مخالف لشرعك وأخلاقك التي أمرت بها، وإذا ضاق صدرك مما ينزغه ولم تقدر على دفعه «فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» بالالتجاء إليه «إِنَّهُ سَمِيعٌ» لإجابة استعاذاتك به سريع لقبولها بأن يعصمك من نزغه وينزعه من قلبك فلا يترك فيه شيئا منها لما فيه من الخطر على مقام النبوة الذي تكلف الله بعصمته فلا يثبت فيه شيء لا يرضاه لك، ومعنى النزغ لغة شك الجلد بالابرة أو بطرق العصاة وكذلك النخس والنسغ وقد يكون بمعنى الإفساد وهو بالنسبة لحضرة الرسول باعتباره المجازي عبارة عن اعتراء الغضب ليس إلا «عَلِيمٌ ٢٠٠» بك وبما ينالك من جميع خلقه ليسمع تضرعك إليه ويعلم ما تريده منه قبل استعاذتك به، روى مسلم عن ابن مسعود قال: قال صلّى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا وإياك يا رسول الله، قال وإياي إلا ان الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير (قال الشيخ محيي الدين النووي يروى فأسلم بفتح الميم أي صار مؤمنا لا يأمر إلا بخير، وبفتحها أي أسلم من فتنته وشره، واختاره الخطابي، ورجح القاضي عياض الأول وقال: الأمة مجمعة على عصمة الأنبياء من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه، وهذا الحديث يشير إلى التحذير من فتنته ووسوسته واغوائه وهذا الخطاب قد يراد به غير الرسول لأنه صلّى الله عليه وسلم معصوم من النزغ وهو جار على حد قوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الآية ٦٥ من الزمر في ج ٢ لأنه معصوم من الشرك قطعا وعليه يكون المراد بالآية جنس الإنسان ومثله فيما نحن في تفسيرها أي مطلق إنسان ونظير هذه الآية ٣٦ من سورة فصلت في ج ٢ فإنهما مطلقتان بطلب الاستعاذة في جميع الأحوال أما آية النحل عدد ٩٩ في ج ٢ فهي خاصة بالقراءة والمراد فيها مطلق قارئ لا مطلق إنسان كما هنا، تدبر، إذ يخاطب صلّى الله عليه وسلم بشيء ويراد به غيره وهو جار بين العرب حتى ضرب به المثل وهو «إياك اعني واسمعي يا جارة»
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا» ربهم ورسخت التقوى بقلوبهم واتصفوا بها «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ» لمّة ألمت به «مِنَ الشَّيْطانِ» لأن الطائف ما يطوف بالإنسان ويلم به وقرىء «طيف» وهو مثله بالمعنى ويفيد الوسوسة أو تسمى طيفا أو طائفا