إيذانا بأنها لا تؤثر بالأنبياء البتة، فكأنها تطوف حولهم فلا تمسهم ولا تؤثر فيهم بل لا تصل إليهم ولهذا عبر بالنزغ بحقهم لأنه أول الوسوسة، وبالمس بحق المتقين لأنه لا يكون إلا بعد التمكن من النزغ فيهم، فيعقبه المس، ولهذا جاءت هذه الآية تأكيدا وتقريرا لوجوب الاستعاذة المارة عند حدوث الوسوسة لئلا يتخطى الأمر إلى المس، وإنباء بأن عادة المتقين إذا اعتراهم المس وأحسوا به ركنوا إلى ذكر الله استنادا لقوله «تَذَكَّرُوا» أوامره ونواهيه فيما طرأ عليهم منه فيلجأون إلى الله من مكايد الشيطان ومكره «فَإِذا هُمْ» بسبب الذكرى التي أمروا بها عند وقوع غفلة أدت إلى الوسوسة أو اعراض سبب المس «مُبْصِرُونَ ٢٠١» مواقع خطاهم فيعدلون عنها إلى السداد ويدفعون خطراته بعد أن يزنوها بميزان الشرع ويعرضوها على أصوله وقواعده ويستغفروا ربهم منها إذا ظهر لهم مخالفتها فيغفرها لهم. وقد بينا الحكم الشرعي في الاستعاذة في المقدمة فراجعها تعلم سنيتها في سائر الأحوال. هذا، ولما ذكر الله تعالى حال الأنبياء والمتقين شرع في بيان حال من يقبل نزعات الشيطان ويؤثر فيهم مسه فقال عز قوله «وَإِخْوانُهُمْ» الجاهلين المبعدين من طرق التقوى وهم الشياطين قرناء الفسقة من البشر «يَمُدُّونَهُمْ» يكونون لهم مددا وعدونا «فِي الغَيِّ» وطرقه فيزيدونهم على غيهم غيا قصد ضلالهم وإضلالهم. وقرأ الجحدري يمادّونهم من باب المفاعلة، أي كأن الشيطان يعاضدهم بالإغراء وتهوين المعاصي بأعينهم على إغواء البشر أيضا فهم يعينون الشياطين بالاتباع والامتثال «ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ٢٠٢» لا يمسكون عن إغوائهم ولا يكفون عن مسهم فيصروا على تلك الوساوس ولا يرجعوا عنها إن استطاعوا، حتى إذا تمكنوا منها عمدوا إلى المس فيتدرجوا فيه إلى أن يوقعوه في الغيّ والإغواء فيصير من صنفهم وقد علمت أن ضمير الجمع المضاف إليه أولا في إخوانهم والمفعول ثانيا في يمدونهم يعودان إلى الجاهلين، وضمير الفاعل في يقصرون يعود إلى الشياطين إخوان الجاهلين، فالخبر جاء على غير ما هو له على حد قوله: أقوم إذا الخيل جالوا في كويتها ...
قال تعالى «وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ» معجزة باهرة ظاهرة «قالُوا» لك المشركون