نزلت بمكة بعد سورة مريم عدا الآيتين ١٣٠ و ١٣١ فإنهما نزلنا بالمدينة، وهي مائة وخمس وثلاثون آية، والف وستماية واحدي وأربعون كلمة، وخمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا، لا يوجد سورة مبدوءة أو مختومة بما بدأت وختمت به (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
قال تعالى «طه» اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم كما مرّ في سورة يس، واسم للسورة، ومفتاح أسماء الله تعالى الهادي، هو الباسط المعطي، وقال بعض المفسرين ان معناه طأها أي الأرض، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم إلى ربه على رجل واحدة في تهجده، وقيل أصله يا رجل بلغة عكّ، أو أصلها يا هذا، فتصرفوا فيها بالقلب والاختصار، مستدلين بقول القائل:
إن السفاهة طاها في خلائقكم ... لا قدس الله أخلاق الملاعين
أقول غير جدير بالقبول لعدم الاستناد فيها إلى شيء صحيح، وما ذكرناه هو الأولى والأنسب، لاستناده للحديث الذي أوردناه أول سورة يس، يؤيده الخطاب في قوله تعالى «ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» في المبالغة في مكابدة العبادة قد يعتريك فيه التعب الشديد، أو في هلاك نفسك في محاورة العتاة ومجادلة الطغاة من قومك من فرط الأسى والتحسر على عدم إيمانهم «إِلَّا» أي ما أنزلناه عليك يا أكرم الرسل لشقائك به، ولكن «تَذْكِرَةً» تذكرهم به وعفة «لِمَنْ يَخْشى» ٣ الله ويتأثر بالإنذار به لرفة قلبه ولين عريكته لينتفع به، لا كما زعم المشركون، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في عبادة ربه في مكة حتى تورمت قدماه، فلما رأى ذلك منه المشركون قالوا ما أنزل الله عليه الوحي الذي يزعم إلا لشقائه، وكان صلى الله عليه وسلم يجهد نفسه بالعبادة من جهة ومن أخرى بدعوة قومه إلى ربه ويلح على نفسه في هذين الأمرين، لأنهما غاية مطلبه ونهاية قصده في الدنيا، فأنزل الله عليه هذه الآية ليخفف عن نفسه الشريفة ما حملها من الأعباء، ويقتصد بالعبادة والدعوة