للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأعراض عن إجابة الدعوة ومقول القول «إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ» الذي أنزلته لخيرهم وصلاحهم وأمرتني أن آمرهم به وأنهاهم لمنفعتهم «مَهْجُوراً» ٣٠ متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون بهديه ولا ينظرون لرشده. ومعنى الهجر القول السيء، وذلك أنهم وصموه بالسحر والشعر والكهانة وخرافات الأولين، فجعلوه بمثابة الهجر، وفي هذه الآية تخويف لقريش لأن الأنبياء إذا شكوا أقوامهم إلى ربهم أو شك أن يحلّ بهم عذابه ويكدون أن لا يمهلوا

قال تعالى «وَكَذلِكَ» كما جعلنا لك يا محمد أعداء من قومك «جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ» أمثالهم، وهذا كالتسلية له صلى الله عليه وسلم لئلا يكبر عليه ما جبهه به قومه وليصبر عليهم كما صبر أولئك الرسل على أقوامهم حتى يأتي وعد الله فيهم «وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً» لعباده إلى ما خلقوا له «وَنَصِيراً» ٣١ لك عليهم. ثم ذكر جل شأنه نوعا آخر من أباطيل المشركين فقال «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ» الذي يدعي إنزاله عليه من ربه «جُمْلَةً واحِدَةً» كالتوراة والإنجيل والزبور المنزلة على من قبله «كَذلِكَ» كمثل ما أنزلنا على من قبلك الكتب جملة واحدة لأنهم يحسنون القراءة والكتابة فلا يعزب عنهم شيء منه ويسهل عليهم تلاوته، وبما أنك أمي فقد جمعنا لك الأمرين فأنزلناه أولا جملة واحدة من اللوح إلى بيت العزّة، ثم أنزلناه عليك مفرقا «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ» فنقرّه به أولا بأول لنعيه وتحفظه، لأنه نظم بديع عظيم، ولو لم نقو قلبك بقوة منا لما قدرت على حفظه لأن القوى البشرية لا تقوى على حفظه دفعة واحدة فضلا عن أنه يتلى عن ظهر الغيب بخلاف الكتب الأخرى فإنّها تتلى بالصحف وحتى الآن لا تجد من يستظهر الإنجيل أو التوراة، وهذا من معجزات القرآن إذ تجد الآلاف تستظهره فضلا عن أن الكتب القديمة لا تضاهيه ولا تحتوي على ما فيه وهو شامل لما كان ويكون مما فيها وفي غيرها من الصحف المنزلة على بقية الأنبياء ومما يحدث بعد إلى يوم القيامة وما يقع فيها من أحوال أهل الجنة والنار وما بعد ذلك، ولهذا ولكونك أمّيّا أنزلناه مفرّقا ليسهل عليك تلقيه وحفظه، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>