نزلت بالمدينة بعد سورة التحريم. وهي ثماني عشرة آية، ومئتان وأربعون كلمة، والف وسبعون حرفا. ومبدأها كمبدأ الآية الأولى من سورة الجمعة فقط، وختمت بما ختمت به سورة الحشر والجاثية، ولا يوجد مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى:«يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ» الدنيوي والملكوت الأخروي يتصرف فيهما كيف يشاء ويحكم بمن فيهما كما يريد «وَلَهُ الْحَمْدُ» من كافة خلقه على نعمائه راجع بحث الحمد في المقدمة وبحث التسبيح أول سورة الحديد المارة «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(١) لا يعجزه شيء ولا يفلت منه أحد ولا يفوته فائت لا مانع ولا مدافع له ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ» أيها الناس من نفس واحدة «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» في هذه الدّنيا كما أنتم في الأزل عند الله وسيعيدكم في الآخرة كذلك «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(٢) قبل أن تعملوه لا يعزب عنه شيء من أعمالكم الموافقة لما هو في علمه ومدونة في لوحه. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. راجع ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٥٨ من سورة هود في ج ٢ وما ترشدك إليه من المواضع. قال تعالى «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لا عبثا ولا لهوا ولا لعبا وباطلا «وَصَوَّرَكُمْ» أيها النّاس في أرحام أمهاتكم، وجعل فيكم روحا منه لارادة غيركم، وجمّلكم «فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» في هذه الدّنيا لأنها على صورته، فقد صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال إن الله خلق آدم على صورته. وفي رواية على صورة الرّحمن. وهذه نافية لقول من قال إن الضّمير في صورته يعود على آدم لا على الله جل جلاله، وهو بعيد جدا عن المعنى، وقد أراد هذا القائل التحاشي عن وصفه تعالى بسمات خلقه، مع أنه لا مانع من القول أن الله تعالى له وجه ويد لا كأوجه خلقه