البحث صلة في الآية ١٠٨ من سورة الأنعام في ج ٢ فراجعه، ورويا عن عائشة أنها نزلت في الدعاء، وأخرج الترمذي وابن قتادة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لأبي بكر مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض من صوتك، فقال إني أسمعت من ناجيته فقال إرفع قليلا. وقال لعمر مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت ترفع صوتك فقال إني أوقظ الوسنان فقال اخفض قليلا. فهذا على فرض صحته لا يصح أن يكون سببا للنزول لأن الآية صريحة في الصلاة، وعلى كل الجهر بالدعاء والصلاة زيادة على الحاجة وهي اسماع من وراءه إذا كان إماما مذموم والمخافتة بحيث لا يسمع نفسه مذمومة أيضا، والمستحب الوسط في ذلك. قال ابن مسعود من أسمع أذنيه لم يخافت والجهر بأن يسمع من هم وراءه في الصلاة، أو إمامه في الدعاء فقط، والعدل رعاية الوسط قال صلّى الله عليه وسلم خير الأمور أوساطها. وقال تعالى (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) راجع الآية ١٤٣ من سورة البقرة في ج ٣، والآية المارة ٢٩ من هذه السورة، والآية ٦٧ من الفرقان المارة. وما قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) الآية ١٥٤ من الأعراف المارة بعيد عن الصحة لأن الأعراف نزلت قبل الإسراء، والمقدم لا ينسح المؤخر قولا واحدا، لا خلاف ولا معارضة فيه، ورحم الله علماء الناسخ والمنسوخ ما اغلاهم وأحرصهم على القول به لمجرد بادرة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله القائل «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» كما زعم بعض كفرة قريش وهم بنو مليح إذ يقولون إن الملائكة بنات الله، وكما زعم اليهود بأن عزيرا ابن الله، وكما افترى النصارى بأن المسيح ابن الله، وكلهم كاذبون أفاكون لأنه جل شأنه لم يتخذ ولدا «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» من الناس والملائكة والجن والأوثان، وهذا إبطال لقول كل من يزعم أن لله شريكا تعالى الله عن ذلك «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ» فيحتاج إلى من ينصره ويتعزز به لأنه لم يذل قط تعالى عن ذلك ولم يوال أحدا من أجل المذلة من الغير أو المنفعة لنفسه المقدسة، فنزهه عن ذلك كله وعظمه «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» ١١١ يليق بذاته العلية وبرأه عن جميع سمات خلقه وأعمالهم وعما يقول الكافرون وأهل الكتابين من اتخاذ الولد والصاحبة والشريك والمعين والولي،