وينبغي أن تكون هذه الحالة في العلماء أكثر من غيرهم، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الأعلى التيمي أنه قال من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن قد أوتي من العلم ما لا ينفعه. لأن الله تعالى نعت أهل العلم فقال:(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) الآيتين المارتين، وقال تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ٣٨ من سورة فاطر المارة وقدمنا فيها ما يتعلق في هذا البحث ما به كفاية، ومن الفقه الأخذ بما قاله ابن عباس رضي الله عنهما:
إذا كثر الطعام فحذروني ... فإن القلب يفسده الطعام
إذا كثر المنام فنبّهوني ... فإن العمر ينقصه المنام
إذا كثر الكلام فسكتوني ... فإن الدين يهدمه الكلام
إذا كثر المشيب فحركوني ... فإن الشيب يتبعه الحمام
ولما سمع أبو جهل عليه اللعنة أن النبي صلّى الله عليه وسلم يقول في دعائه يا الله يا رحمن، قال لقومه إن هذا ينهانا عن تعدد لآلهة وهو يدعو إلهين أنزل الله تعالى «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ» أيها الناس فإنكم «أَيًّا ما تَدْعُوا» من أسماء الله تعالى فادعوه بها «فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» المشتملة على معاني التقديس كالخالقية والرحمانية والمالكية والعالمية وقد مرّ بيانها في الآية ٨ من سورة طه المارة فراجعها. وما قيل إن اليهود قالوا لحضرة الرسول إنك تقل من ذكر الرحمن وقد ملئت التوراة من ذكره، فنزلت لا يصح، لأن الآية مكيّة بالاتفاق ولا يهود لهم صلة مع حضرة الرسول في مكة «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» بحيث لا تسمع نفسك أو تسمع من هو خارج المسجد «وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ» الجهر الزائد والمخافتة الكلية «سَبِيلًا» ١١٠ حالا وسطا بحيث تسمع نفسك إذا كنت منفردا ومن بجوارك إذا كنت إماما. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلّى الله عليه وسلم مختفيا بمكة أي مخف عبادته فيها أو أنه كان وأصحابه إذ ذاك يخفون صلاتهم خوفا من تعدي الكفار عليهم، وكان إذا خلا بأصحابه رفع صوته، فإذا سمعه المشركون يسبون القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال تبارك وتعالى لنبيه (ولا تجهر) . هذا، ولهذا