للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب كراهية الدعاء بالشر على النفس:]

قال تعالى «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ» الذي يدعونه على أنفسهم فيجيب دعاءهم فيه ومنه قول أهل مكة (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) الآية ٣٢ من سورة الأنفال في ج ٣، ومنه قولهم عند سماع الآيات التي فيها الوعيد (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية ٤٨ من سورة يس المارة في ج ١، ومثلها الآية ٣٨ الآتية وهي مكررة في القرآن كثيرا، قال ابن عباس المراد في هذه الآية دعاء الرجل على أهله وولده عند الغضب مثل قوله لعنك الله، لا بارك الله فيك، وكذا المرأة تقول لولدها قصف عمرك أعماك الله كسرك لا وفقك وشبهه، وقال قتادة المراد دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له فيه. راجع الآية ١١ من سورة الإسراء في ج ١ أي لو يعجل الله للناس استجابة دعاءهم بالشر «اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ» أي كطلبه وإرادة إجابته «لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ» حالا ولفرغ من إهلاكهم من كثرة ما تلوكه ألسنتهم من ذلك الدعاء السيء لكن الله تعالى بمنه وكرمه، قد يستجيب للداعي بالخير ولا يستجيب له بالشرّ، قال ابن قتبية إن الناس عند الضجر يدعون على أنفسهم وأهليهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة، فلو بدلوا الدعاء حال الغضب بالشرّ على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، بالخير، لهم لكان أولى وأنفع لهم تحاشيا عن حصول الشر والوقوع بالملامة إذا صادقت الدعوة ساعة إجابة، حفظنا الله من ذلك. والتفسير الأول أولى وأحسن انطباقا على المعنى، لأن المراد بالناس في هذه الآية- والله أعلم- المذكورون في قوله تعالى (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) الآية السابقة، ويؤيد هذا ما جاء أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث أحد رؤساء قريش مكة القائل (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) الآية المارة آنفا، وعليه يكون المعنى ولو يعجل الله لهؤلاء الكافرين العذاب كما يعجل لهم الخير في المال والولد لعجل قضاء آجالهم فأماتهم جميعا، ويدل على هذا أيضا قوله تعالى تتمة هذه الآية «فَنَذَرُ» نترك ونهجر «الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>