وقد كف الشرع عما في القلب لعدم الاطلاع عليه إلا من قبل الله. قال تعالى «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» يتولى أمورهم ولا يكلهم إلى غيره ومن عنايته بهم أنه «يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» أفرد لفظ النور لوحدة الحق وجمع الظلمات لتنوع فنون الباطل. وأعلم أن كل ما في القرآن من لفظ الظلمات من هذا القبيل يراد به الكفر ومن لفظ النور يراد به الإيمان، إلا في سورة الأنعام فإن المراد بهما اللّيل والنّهار كما بيناه أولها في ج ٢، وسمي الكفر ظلمة لأنه يحجب القلب عن إدراك الحقيقة والإيمان نورا لوضوح طريقه وبيان أدلته «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» إذ فوضوا أمورهم إليها واتكلوا عليها وتمادوا في طاعة أوثانهم ورؤسائهم الذين يميلون بهم إلى البغي والطغيان، وكل ما يؤدي إلى الشقاء الأخروي يسمى طاغوت وهؤلاء الأولياء «يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ» الإيمان المؤدي إلى الجنة في الآخرة ويردونهم «إِلَى الظُّلُماتِ» الكفر الموصل إلى النار بسبب ما يسولونه لهم من طرق الإغواء والإغراء والصد عن طريق الهدى والرشد «أُولئِكَ» الكافرون وأولياؤهم «أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(٢٥٧) إلى ما لا نهاية عقوبة لهم على كفرهم.
[مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:]
قال تعالى «أَلَمْ تَرَ» يا سيد الرسل «إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ» وهو النمروذ إذ جادل خليله إبراهيم بما يزعمه من القوة من «أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ» بأن جعله ملكا على طائفة من خلقه وانه بدل أن يشكر نعمته طغى وتجبر وبغى وتكبر حتى ادعى الربوبية، وهو أول من ادعاها ثمّ تبعه من بعده أخوه فرعون، وقيل أول من ادعى هذه الدعوى شداد بن عاد كما تقدم في الآية ٧٠ من سورة الأنبياء ج ٢ تطفلا عليه لعنه الله ومن اتبعه في كفره، وهو أول من لبس التاج أيضا، وهذه المحاججة بعد أن كسر الأصنام وقبل أن يلقى في النار إذ كان النمروذ أخرجه من السجن وقال له من هو ربك الذي تدعونا إليه؟ فأجابه بما ألهمه الله بقوله «إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ» وإذ هنا منصوبة بفعل مقدر أي أذكر يا محمد لقومك ما قاله الخليل