«قَوْماً آخَرِينَ» ٢٨ هم بنو إسرائيل إذ عادوا إلى مصر بعد ذلك واحتلوا محالهم «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» إذ لا عمل صالح لهم يصعد إلى السماء أو يعمل في الأرض لتفقداه فتبكيان على فقده بخلاف المؤمنين فإنهما تبكيان عليهم لأن لهم فيها عملا صالحا قارا وصاعدا، وذلك لأن السماء تبكي على فقد عبد كان لتسبيحه وتكبيره وتهليله وقراءته فيها دوي كدوي النحل، وإن الأرض تبكي على فقد عبد كان يعمرها بالقيام والركوع والسجود والقعود للصلاة والاعتكاف والذكر وللإصلاح بين الناس قال النابغة:
بكى حارث الجولان من فقد ربه ... وحوران منه جاشع متضائل
وقال جرير:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع
وقال الفرزدق يرثي عمر بن عبد العزيز:
الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
أي لا تعجب كيف طلعت في زمن حقها أن لا تطلع أو تطلع كاسفة. والقمر منصوب بواو المعية ونجوم منصوب بكاسفة، وقرأ بعضهم برفع النجوم والقمر على أنهما فاعل تبكي، والأول أولى تدبر. ونقل صاحب الكشاف عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مؤمن يموت في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض.
«وَما كانُوا مُنْظَرِينَ» ٢٩ لو أنهم طلبوا الانتظار حين نزول العذاب ولم نمهلهم، لأنه وقع في وقته المقدر، وهو لا يتقدم ولا يتأخر «وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ» ٣٠ هو قتل أبنائهم واستحياء نسائهم للخدمة والاسترقاق، ولا هوان يضاهيه، ولا مهانة تساويه، وتلك الحقارة عليهم
«مِنْ فِرْعَوْنَ» وقومه وملائه «إِنَّهُ كانَ عالِياً» على ما في أرض مصر وتوابعها أجمع متكبرا عليهم متجبرا يفعل فيهم ما يشاء، عاتيا «مِنَ الْمُسْرِفِينَ» ٣١ في أنواع الظلم، إذ تجاوز حده حتى انه ادعى الربوبية «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ» ٣٢ لأنا قدرنا أن يكون منهم أنبياء وأولياء وملوك وأمراء وأناس صالحون لزمانهم «وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ» بعد إنجائهم من الفرق الذي هو الآية الكبرى بحقهم