إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ» ٥٠ بعهدهم أيضا، ويقولون ما أصابنا إلا الخير لما يروا بعد كشف كل آية من آيات عذابهم خيرا وبسطة
«وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ» بقصد إغرائهم «قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» وكان قصره يمر من تحته نهر النيل يتدفق يمينا وشمالا، قالوا له نعم، ثم قال لهم «أَفَلا تُبْصِرُونَ» ٥١ عظمتي وفقر موسى وضعفه، قالوا نعم نبصر وقد جمعهم وخطب فيهم هذه الغاية، قال لهم «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا» يشير إلى موسى عليه السلام وقد كذب بل شر من كل ذي شر، ثم وصم موسى عليه السلام وحاشاه مما وصمه به، فقال ما موسى بخير مني بل أنا خير من هذا «الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ» ٥٢ يفصح عن كلامه عايه الخبيث باللثغة التي سببها هو كما بيناه في الآية ٢٧ من سورة طه في ج ١، وأجاب نفسه بالتفضيل عليه ولم ينتظر جواب قومه الذين جمعهم وألقى عليهم هذه الجملة، إذ انتقل بنفسه من ذلك إلى الإخبار بالأخيرية، وعليه قول الشاعر:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أم أنت بالعين أملح
ثم بين نوعا آخر من أسباب افتخاره فقال «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ» مثلي ليعلم الناس أنه ألقي إليه مقاليد الملك فيطيعونه وينقادون لأمره، وكان في ذلك الزمن إذا سور الرجل بسوارين من ذهب وطوق بطوق من ذهب يكون دلالة على سيادته في قومه، ويريد الملعون بقوله هذا أن لو كان لما يدعيه موسى من صحة بأنه رسول الله رب العالمين أجمع لألبسه الذي أرسله أسورة ذهبية إعلاما برسالته وإيذانا بلزوم طاعته لينقاد له الناس «أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ» ٥٣ بعضهم ببعض متتابعين يشهدون له بصدق ما جاء به ويعينونه على من خالفه على الأقل إذا لم يحلّ بما يدل على السيادة والحاكمية، قالوا له لم يسور ولم تأت معه الملائكة قال لهم حينئذ لا صحة لدعواه قالوا نعم، وقد ظن اللعين أن الرياسة والقوة من لوازم الرسالة في المرسل ولم يعلم أن الله الذي أرسله كافيه عن ذلك، ويقرب من قوله قول كفار قريش (لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ) الآية ٣١ المارة.