ليلة الإسراء في بيت المقدس. وهذا الأذان والصلاة الكائنة بالأنبياء في الأرض والتي بالسماء بالملائكة هي غير الأذان والصلاة المفروضة، لأنها لم تفرض بعد إذ كان ذلك عند العروج، وقد ذكرنا ما يؤيد هذا هناك، وهذا التفسير أولى من تقدير كلمة (أمم) قبل لفظ (مَنْ) أي اسأل أمم من أرسلنا من قبلك من أقوامهم الموجودين في زمنك من أهل الكتابين وغيرهم، إذ لا مانع من إجرائها على ظاهرها، ولا حاجة إلى تقدير مضاف محذوف أو تأويل آخر، وعلى كل إنه لم يأت نبي ولا رسول ولا كتاب بعبادة غير الله تعالى القائل «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ» إلى فرعون «إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» ٤٦ إليكم وإلى بني إسرائيل، وفيها تعريض لما يدعيه فرعون من الربوبية الكاذبة «فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا» المار ذكرها في الآية ١٣٢ من الأعراف في ج ١ «إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ» ٤٧ سخرية بها واستهزاء، وقد علمت ما فعل الله بهم، قال تعالى «وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها» التي أريناها لهم قبلها، أي أن كل آية منها موصوفة بالكبر والعظم على حد قولك إخواني كل منهم أكرم من الآخر أي كلهم كرماء، وعليه قول الحماسي:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
أي كلهم أكابر عظماء «وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ» الأدنى أولا كالقحط والنقص والطوفان والدم والقمل والجراد «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» ٤٨ عن كفرهم لترحمهم فلم يرجعوا، ولم تؤثر بهم الآيات ونقضوا عهودهم التي أعطوها لموسى بالإيمان به عند كشف كل آية «وَقالُوا» فرعون وملؤه «يا أَيُّهَا السَّاحِرُ» الماهر في السحر، إذ كان السحرة عندهم مقدمين لما يرون من أعاجيبهم، كما أن الطبيب كان مقدما زمن عيسى عليه السلام، وذا الفصاحة في عهد محمد صلّى الله عليه وسلم وكان التفاخر بها ساريا بينهم فالطبيب والبليغ له القدم الأعلى عند قومه «ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» بأننا إذا آمنا يكشف عنا العذاب فاسأله يكشفه «إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ» ٤٩ وقد دعى فكشف عنهم وعادوا مصرين على كفرهم ومتهمين رسولهم بالسحر، قال تعالى «فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ» الأخير كما هو الحال في كل مرة