للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنحن أم أنتم ولا شك أن محمدا وأصحابه وأتباعه هم أهل الطريق العدل المهتدون بهدى الله وستقول لهم قول القائل:

سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار

[مطلب الاحتجاج على الله ورده:]

واعلم أن الله تعالى قطع المعذرة بالإمهال والإرشاد فله الحجة البالغة روى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحتج على الله ثلاثة الهالك في الفترة يقول لم يأتني رسول، وتلا هذه الآية والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لي عقلا انتفع به، ويقول الصغير كنت صغيرا لا أعقل، فترفع لهم نار ويقال أدخلوها فيدخلها من كان في علم الله أنه سعيد وينكل عنها من كان في علم الله أنه شقي، فيقول الله إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتوكم. فقد أراهم الله من هذا أنهم لو أرسل إليهم الرسول، ولو أمهلوا للبلوغ، لما دخلوا في طاعة الله لأن النفس الخبيثة أزلا تبقى على خبثها ولهذا البحث صلة في الآية ١٥ من سورة الإسراء الآتية فراجعه. وهناك ثلاثة آخرون (١) الملك يقول يا رب شغلتني بمصالح عبادك ففاتني ما كنت تريده من عمل صالح. فيؤتى له بسليمان عليه السلام إذ لم يشغله ملكه وهو أوسع ملكا في الأرض عن عبادة الله. (٢) المريض يقول يا رب لو عافيتني ما سبقني أحد بما يرضيك فيؤتى له بسيدنا أيّوب عليه السلام إذ لم يمنعه مرضه وهو أشد مرضا عن عبادة الله.

(٣) الفقير يقول يا رب شغلني الكدّ في المعيشة عن عبادتك، ولو أغنيتني ما فاتني أحد بما تريده فيؤتى له بسيدنا عيسى عليه السلام إذ لم يشغله فقره عن عبادة الله والدعوة اليه، وهو أفقر الناس، فلا عذر إذن لأحد أبدا. وروي عنه أيضا أنه لا يقرأ أهل الجنة من القرآن الا سورة طه ويس، وانظر أيها القارئ ما أشد مناسبة خاتمة هذه السورة لفاتحتها، لأنها بدأت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم ينزل عليك هذا القرآن لتحمل تعب الإبلاغ وأنهاك نفسك، وحيث بلغت فلا عليك الا أن يقبلوا منك، وعليك الإقبال على طاعة الله وختمت بما هو في معناه بأمره بالتقوى وعدم الاكتراث بالدنيا والصبر على الذين لا ينجع بهم الإنذار، وأن المخالف سيندم من حيث لا ينفعه الندم. هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>