بالتعوذ منه لانتشار الآفات فيه، وانعدام الغوث غالبا «إِذا وَقَبَ ٣» اعتكر ظلامه وقيل هو القمر إذا خسف أخرج الترمذي عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله نظر إلى القمر فقال لها: استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب.
والمراد منه، والله أعلم إذا خسف وسقط لأن هذا يكون يوم القيمة وهو جدير بان يتعوذ منه، وهناك أقوال بأنه الحية إذا انقلبت بعد اللسع وغير ذلك، وليست تلك الأقوال بشيء. «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ» السواحر اللاتي يتفثن «فِي الْعُقَدِ ٤» في الخيط الذي يرقين عليه، والنفث النفخ مع قليل من الريق وقيل بلا ريق، وقيل النفث في العقد إبطال العزائم وآراء الرجال بالحيل استعارة من عقد الحبال لأن حب النساء المتغلغل في قلوب الرجال صيرهن يتصرّفن من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة فأمر رسول الله بالتعوذ من كيدهن ومكرهن. قال الإمام الفخر: هذا قول حسن لولا أنه على خلاف رأي أكثر المفسرين «وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ٥» أظهر حسده وعمل بمقتضاه.
[مطلب في الحسد والتعاويذ:]
والحاسد الذي يتمنى زوال نعمة الغير أو يسعى في زوالها، وهو أول ذنب عصي الله فيه في السماء من إبليس، وأول ذنب عصي الله فيه في الأرض من قابل وقصتهما ستأتي، الأولى في الآية ١٠ فما بعدها من سورة الأعراف الآتية وهي مكررة في القرآن كثيرا والثانية في الآية ٢١ من سورة المائدة في ج ٣. واعلم إن دواء المحسود لداء الحاسد هو الصبر لا غير قال:
اصبر على مضض الحسود ... فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله
وهو في الحقيقة اعتراض على الله لأن الحاسد يحسد المحسود على ما أولاه ربه من النعم وحرمه منها، أما الغبطة وهي تمني مثل ما عند الآخر مع بقائها عنده فهي جائزة. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل