إلى مكة، ولم ير النبي صلّى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بالمدينة، فلما رآه وصارت اليهود تقول هذا كذاب، قال لهم وجه هذا ليس بوجه كذاب، على أنه لو فرض صحة اجتماعه به في بصرى فإن ذلك الوقت كان عمره صلّى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، ولم تحدثه نفسه بنزول كتاب عليه كي يؤلفه له، ولم يدع النبوة ليركن إليه ويعلمه، ولم يبق في بصرى زمنا يستوعب تعرفه به فضلا عن تعليمه، وقد بقي حتى بلغ الأربعين من عمره، ولم يتكلم بشيء من الوحي، قاتلهم الله على إفكهم وكفرهم، وما هذا إلا حسد منهم لعبد الله على إيمانه ليس إلا وكان من أمره ما كان رضي الله عنه، ولهذا البحث صلة في الآية ٤٧ من سورة النساء في ج ٣، لأنه رضي الله عنه تأخر في إعلان إسلامه لليهود خوفا من الطعن فيه كما يشير إليه قوله (هذا الذي كنت أخافه) بالحديث المار ذكره في معرض العذر عن تأخير إسلامه، وهناك أقوال بأن الشاهد في هذه الآية موسى عليه السلام شهد على التوراة التي هي مثل القرآن بأنها منزلة من عند الله، كما شهد محمد على القرآن فآمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم يا معشر قريش عن الإيمان بالقرآن ومحمد، وأن الآية نزلت في محاججة كانت بين الرسول وقومه، واستدل صاحب هذا القول بأن السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم في المدينة، والأول أولى، لأن هذه الآية من المستثنيات بمقتضى الأحاديث الصحيحة المتقدمة، ومنها ما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن عوف ابن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة عبد الله بن سلام، وروى ذلك عن محمد ابن سيرين وهو ما عليه جمهور المفسرين وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وروى ذلك ابن سعيد وابن عساكر عن عكرمة.
قال تعالى «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» من أهل مكة «لِلَّذِينَ آمَنُوا» منهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم «لَوْ كانَ» ما جاء به محمد «خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ» هؤلاء المؤمنون به بادئ الرأي لفقرهم ومهانتهم عندنا يعنون عمارا وصهيبا وابن مسعود وأمثالهم من فقراء المسلمين، ويسكتون عن أبي بكر وأصحابه الذين آمنوا قبل هؤلاء «وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ» هؤلاء الكفرة «فَسَيَقُولُونَ» عنادا وجحودا «هذا» الذي جاء به محمد وآمن به هو وأولئك «إِفْكٌ قَدِيمٌ» ١١ كان يقوله مثله من قبله لقومه ليس بقرآن. قال