نزلت بمكة بعد القدر، وهي خمس عشرة آية، وأربع وخمسون كلمة، ومائتان وسبعة وأربعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «وَالشَّمْسِ» القرص المعهود «وَضُحاها ١» الوقت المعلوم لأن فيه زيادة ضوئها وقيام سلطانها «وَالْقَمَرِ» المستفاد نوره منها بدليل قوله «إِذا تَلاها ٢» تبعها لأنه دائما يكون بمقابلتها تخلفه ويخلفها أنظر رعاك الله أي فلكي أخبر محمدا صلّى الله عليه وسلم أن أول شيء تكون من الأجرام هو الشمس حتى أقسم الله بها، ثم أقسم بما يكون بعدها لأن هذه الأمور لم تعرف إلا بعد نزول هذا القرآن ولم يسبق أي نقل فيها عن أحد قبله فهو الذي نور قلوب الناس وعقولهم، فيجب علينا نحن المؤمنين أن نتمسك به ونجيل النظر في معانيه وما يرمي اليه بإمعان لا نظرا سطحيا وأن نلازمه ونجول حول حرمه ليمنّ الله علينا بالوقوف على بعض مغازيه النافعة لنا دينا وأخرى قال تعالى «وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ٣» أي الشمس فإنها تنجلي وتظهر إذا انبسط النهار وتنجلي فيه ظلمة الليل حيث يغشاه ضياؤه بظهور الشمس «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ٤» أي الشمس إذ بغيابها يظلم الأفق ويبسط الظلام سلطانه «وَالسَّماءِ وَما بَناها ٥» قال بعض المفسرين آثر ما، على من، في هذه الآية لارادة الوصفية تفخيما أي والقادر العظيم الذي بناها «وَالْأَرْضِ. وَما طَحاها ٦» دحاها وبسطها من كل جانب ودحاها ومهدها لمنافع الخلق والإنس أن يقال جيء بما في هاتين الآيتين بدل من لتفيد المصدرية ويكون المعنى والسماء وبنائها ومعنى البناء هنا الخلق.
مطلب كون السماء مبنية والقوى البشرية:
وظاهر لفظ البناء يدل على أن للسماء جرما وهذا كاف للرد على من يقول أن السماء خلاء تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، كيف وقد قال الله (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) الآية ٥٧ من سورة غافر من ج ٢.
فإذا كانت خلاء كما يزعمون فليست بأعظم من خلق الناس إذ لا أعظم من خلقه