فأدغمتا بعد أن سكنت الثانية فصارت لكنا «هُوَ اللَّهُ رَبِّي» وقرىء لكن أنا على الأصل وهو استدراك لقوله أكفرت، أي أنت بمقالتك تلك كافر لكن أنا مؤمن «وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً» ٣٨ أبدا، ثم قال على طريق الأمر بالحث والإزعاج وهلا «وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ» بدل مقالتك السيئة تلك «ما شاءَ اللَّهُ» اعترافا بأن ما فيها منه وبأمره ومشيئته «لا قُوَّةَ» على عمارة وإنبات ما فيها وحفظه من الآفات لأحد ما «إِلَّا بِاللَّهِ» بمعونته ولطفه في ذاتك أيها المغرور «إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً» ٣٩ تكبرت على وتعاظمت
«فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ» في الدنيا أو في الآخرة «خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ» ما تدري لعله «يُرْسِلَ عَلَيْها» على جنتك التي أطغتك «حُسْباناً» شهبا وصواعق أو نارا، قال حسان:
بقية معشر صبّت عليهم ... شآيب من الحسبان شهب
نازلة «مِنَ السَّماءِ» فيدمرها أو يحرقها «فَتُصْبِحَ صَعِيداً» أرضا غبراء لا شية فيها يدل على أنها كانت جنة ذات أشجار وزروع «زَلَقاً» ٤٠ جرداء ملساء تزلق فيها الأقدام لا ثبات فيها، وأصل الزلق المشي في الوحل والزّلل في الرجل، شبه عروها من النبات بعد أن كانت ملتفة بأرض وحلة أو رملة لا شيء فيها مما يستمسك به «أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً» في أعماق الأرض «فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً» ٤١ لا تناله الأيدي ولا الدلاء فتيبس أشجارها ونباتها.
قال تعالى «وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ» من جميع جهات الجنة إذ أرسل عليها نارا فأحرقتها كلها وصاعقة فأحرق نباتها وغار ماؤها «فَأَصْبَحَ» صاحبها ذلك المغرور بها عند مشاهدتها والنظر إليها «يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ» يضرب أحدهما بالأخرى تأسفا ولهقا عليها، قال عمر ابن أبي ربيعة:
وضربنا الحديث ظهرا لبطن ... وأتينا من أمرنا ما اشتهينا
وذلك حزنا وندما «عَلى ما أَنْفَقَ فِيها» من المال والتعب وحرمانه من منافعها وبهجتها «وَهِيَ خاوِيَةٌ» ساقطة مترامية «عَلى عُرُوشِها» أي سقطت جدران الجنة على عروش الكرم، وهذا كناية عن تدميرها كلها وخلائها