عن كل كلمة منه بلفظها ومعناها من غير أدنى تغيير فيها بل تعرض المحال، لأن إمكان وجود لغة أجنبية تحتوي على الحروف العربية كلها محال، وإن ما اطلعتما عليه من اللغات التركية والإفرنسية والعبرية والسريانية والكردية والهندية والإنجليزية والألمانية لا تحتوي عليها، وغيرها كذلك، وإمكان التعبير عن بعض كلماته لا يكفي، لأنه لا يجوز أن يترك منه حرف واحد. أما ما جاء عن أبي حنيفة فهي عبارة عن حفظ آية طويلة أو ثلاث آيات قصار بمقدار ما تصح به الصلاة للعاجز عن تعليمها بالعربية خشية من ترك الصلاة التي لا تصح بغير القراءة، فذلك ممكن، إذ يوجد في القرآن ما هو ممكن الترجمة بذلك القدر من آيات الدعاء والرجاء، أما كله أو نصفه أو عشره أو معشاره فلا يمكن البتة، لأنه خارج عن طوق البشر، وقدمنا في الآية ١٩٥ من سورة الشعراء في ج ١، ما يتعلق بهذا البحث بصورة موضحة فراجعها.
[مطلب القرآن هدى لأناس ضلال الآخرين بآن واحد، وعدم جواز نسبة الظلم إلى الله تعالى:]
قال تعالى «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً» من الضلال وإرشاد للحق «وَشِفاءٌ» من مرض الشرك والشك الذي يحوك بالقلب وبعض الأمراض لصاحب اليقين القوي الاعتقاد، راجع الآية ٨٠ من سورة الإسراء ج ١، «وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ» به «فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ» ثقل وصمم عن سماعه «وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى» لا يبصرونه لأنهم لا ينظرون إليه عن صدق وحقيقة ولا يسمعونه سماع قبول فيكون ظلمة وشبهة ومرضا عليهم فهو بآن واحد نور لأناس ظلمة لآخرين، لأنهم لا ينتفعون به فيكون عليهم بالضد من غيرهم «أُولئِكَ» الصم العمي عن القرآن «يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» ٤٤ فلم يسمعوا ذلك النداء ولم يعوه، شبه الله تعالى عدم فهمهم بما دعوا إليه بمن ينادى من مسافة بعيدة فإنه إن سمع الصوت لا يفقه المعنى، وهو مثل يقال للذي لا يفهم: أنت تنادي من مكان بعيد، والنداء على الشخص من بعد فيه إهانة له وعدم اكتراث به، ولهذا فإن الكفرة يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبح أعمالهم بأشنع أسمائهم من مكان بعيد هوانا بهم وإذلالا لهم، فتعظم السمعة عليهم وتتكاثف المصائب بفضيحتهم على رؤوس الأشهاد. قال تعالى