للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له راحة لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر

وكان أكثر آل البيت كريما وليسوا بأهل دنيا، ويصدق عليهم قول الشافعي رحمه الله:

وهم ينفقون المال في أول الغنى ... ويستأنفون الصبر في آخر الفقر

إذا نزل الحي الغريب تقارعوا ... عليه فلم يدر المقل من المثري

لأن المقصود الأكثر من جنس الإنسان بخيل. وليعلم أن حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم غير داخل في هذه الآية المخاطب بها بلفظ الجمع، لأن الله تعالى يقول لحضرته قل لهم ذلك، أما غيره فإن الأصل في الإنسان الشح، لأنه خلق حينما خلق محتاجا لكل شيء فيمسك ما تصل إليه يده لنفسه ولأن بعض الكرم يكون منه السمعة والرياء ونشر الصيت، وقد يكون ابتغاء مرضات الله، وأهل هذا قليل وكل خير في القليل، وفي القليل بحث نفيس فإذا أردت أن تقف عليه فراجع الآية ٧٣ من سورة النمل المارة، ووجه مناسبة هذه الآية مع ما قبلها أن المشركين المشار إليهم أعلاء لما اقترحوا على حضرة الرسول طلب الينبوع والأنهار كان لتكثير أرزاقهم واتساع الدنيا عليهم من وجه وتعجيزا للرسول من وجه آخر، وهو المراد إذ أهمهم شأنه بعد أن رأوا آيات الإسراء والمعراج وشاع ذكره في الآفاق أكثر من ذي قبل، فبين الله تعالى في هذه الآية أنهم لو أعطوا ذلك وملكوا خزائن الأرض ومفاتح رحمة الله لبخلوا وشحوا ولم ينفعوا أحدا، وهذا غاية في التشنيع عليهم بالبخل، وأنه كما وصفهم بالآية الأولى بأنهم منكبون على الكفر، وصفهم في هذه أنهم أيضا متلبسون بالشح، وهما صفتان مذمومتان ضرر أولاهما قاصر عليهم، وضرر الأخرى متعد للغير. هذا، وبالجملة فإن الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد وللخروج من عهدة الواجب، فكان إنفاقه في الأصل بمقابل عوض أيضا، فكان بخلا حقيقة، والمراد بهذا الإنسان الجنس فيشمل جميع أفراده، وإذا أريد به المعهود بأن اعتبرت ال فيه للعهد يكون المراد به الذين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا.. الآية السابقة، والأولى جعله عاما ليدخل في مفهومه هؤلاء وغيرهم،

ولما حكى الله تعالى عن قريش ما حكاه من التعنت والعناد تجاه رسوله صلّى الله عليه وسلم شرع يسليه بما جرى لأخيه موسى عليه السلام مع فرعون اللعين وما صنع بفرعون وقومه

<<  <  ج: ص:  >  >>