شهداء في الدنيا سعداء في الآخرة «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» بالنصر والغلبة لأنكم أصبتم منهم ببدر أكثر ما أصابوا منكم بأحد والعاقبة الحسنة لكم، فاصبروا واطمأنوا ولا تجزعوا «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(١٣٩) بما وعدكم الله به فلا تهنوا على ما وقع منكم ولا تحزنوا على ما فاتكم ولا على ما أصابكم والأحسن أن تؤول (إِنْ) هنا بمعنى إذ على التعليل أي إنما يحصل لكم العلو على غيركم لأنكم مؤمنون بالله مصدقون لما جاء به رسوله «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ» أيها المؤمنون في أحد «فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ» أعدائكم «قَرْحٌ مِثْلُهُ» إذ قتل منهم سبعون وأسر سبعون في حادثة بدر، والقرح بالفتح الجراحة وبالضمّ المها، وقد قتل من الكفرة نيف وعشرون رجلا وجرح كثيرون في حادثة أحد.
[مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:]
«وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» من واحد لآخر ومن طائفة لأخرى، كما قيل:
فيوما علينا ويوما لنا ... ويوما نساء ويوما نسر
وكلمة نداولها لم تكرر في القرآن، ومنه الدنيا دول تنتقل من أمة إلى غيرها وقيل:
هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سرّه زمن ساءته أزمان
«وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» أن هذا التداول يتميّز فيه المؤمن الصادق من المبطن المنافق الذي يرجع عن دينه لأدنى نكبة، قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ) الآية ١٢ من سورة الحج الآتية «وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ» جمع شهيد وهو من مات في صف القتال وسمي شهيدا لأنه يشهد على الأمم يوم القيامة مع الأنبياء ولأنه يشهد له في الموقف العظيم لدى رب العالمين على أنه قتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»(١٤٠) من الكافرين والمنافقين وغيرهم لذلك لا يقدر لهم الشهادة كما لم يقدر لهم الإيمان
«وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» في هذا التداول فيعرفون الحكمة منه فيطهرهم وينقيهم من ذنوبهم وكرر هذا الفعل في الآية ١٥٤ الآتية، وكلمة يمحق في الآية ٢٧٦ من