نزلت بالمدينة بعد سورة الفتح عدا الآية (٥) المذكور فيها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) إلخ، فإنها نزلت في عرفات في حجة الوداع والتي واقف فيها. وهي مئة وعشرون آية، وأربعة آلاف ومئة وثلاثون كلمة، وعشرة آلاف وخمسمائة حرف، تقدمت السّور المبدوءة بما بدئت في سورة الكافرين ج ١، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به ولا مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» العهود والمواثيق والإيمان والوعود وكلّ ما ألزمتموه أنفسكم مما يسمى عقدا ويدخل فيه عقود الأنكحة والبيع والشّراء والرّهن والشّركة وغيرها مما أحله الله لكم وحرمه عليكم. ثم شرع بتفصيلها فقال عز قوله «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ» يدخل فيها كلّ بهيمة لأن النّكرة إذا أضيفت عمت، ولكن هذه الإضافة على تقدير من أي بهيمة من الأنعام المحلل أكلها فيخرج من عمومها ذوات الحوافر وما لم يعرف من الأنعام كالضواري والسّباع وبقية الوحوش مما لم يؤكل أما الظّباء وبقر الوحش وحماره وما يؤكل من أمثالها فتؤكل، وقال ابن عباس ومن بهيمة الأنعام الجنين والحكم الشّرعي فيه هو إذا ذبحت أمه وخرج حيا ذبح وأكل بلا خلاف، وإن خرج ميتا فلا، وما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال في الجنين ذكاته ذكاة أمه أي كذكاتها بأن يذبح مثلها لا أن ذبح أمه ذبح له ولو خرج ميتا، وقال الشّافعي يؤكل ولو خرج ميتا، لما جاء في بعض الأخبار أنه ككبدها، وكأنه رضي الله عند تلقى الحديث برفع ذكاة، فيكون المعنى ذكاته هي ذكاة أمه وتلقاه أبو حنيفة ومن تبعه بالنّصب، وعليه يكون المعنى ذكاته كذكاة أمه رحم الله الجميع ورضي عنهم وأرضاهم فكل ما يطلق عليه لفظ بهيمة على ما ذكر أعلاه حل لكم أيها النّاس «إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ» تحريمه فيما يأتي فهو حرام عليكم، وهذا التحليل ليس على إطلاقه أيضا فيما أحل لكم، إذ قد يستثنى منه في بعض