وقال تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) الآية ٢٢ من الغاشية في ج ٢، «وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى ٨» كهذا الأعمى «وَهُوَ يَخْشى ٩» الله واليوم الآخر طائعا مختارا راغبا راهبا «فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ١٠» بغيره ومتشاغل عنه بهم وهم يظهرون الاستغناء عنك
«كَلَّا» لا تعد لمثل هذا أبدا كيف تقبل على الخطير وتعرض عن الحقير فكم من حقير عند الله لا يوازيه الف خطير في المنزلة واعلم يا أكمل الرسل «إِنَّها» الآيات المنزلة عليك من لدنك «تَذْكِرَةٌ ١١» عظيمة للناس أجمع لا يختص بها إلا من شملته العناية ولا يعرض عنها إلا من سخط عليه «فَمَنْ شاءَ» أن يتعظ بها ويؤمن بك وبربك «ذَكَرَهُ ١٢» أي ذكر الله ربه منزلها بإلهام منه فاهتدى وهذه الآيات المعبر عنها بالتذكرة مدونة عند الله «فِي صُحُفٍ» عظيمة جليلة «مُكَرَّمَةٍ ١٣» على الله الكريم والتنوين فيها يدل على التفخيم ولذلك وصفها بقوله (مَرْفُوعَةٍ) القدر عالية الاحترام «مُطَهَّرَةٍ ١٤» مقدسة لا يمسها هناك إلا المطهرون من الملائكة الكرام كما أنه لا يمسها في الدنيا إلا المطهرون من البشر كما سيأتي في الآية ٧٩ من سورة الواقعة الآتية «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ١٥» جمع سفير وذلك أنه عند ما يأمر الله بايجاد شيء منها بوحيه بأن يأمر هذا النوع من الملائكة فيسفرون به بين الله ورسله فيكونون كالسفير بينهما وقد أنشد:
وما أدع السفارة بين قومي ... وما أمشي يغش إن مشيت
ويقال لكتبة الوحي سفرة أيضا وللكاتب سافر، لأنه يسفر بكتابته عن الأحوال التي يكتبها أي يبينها ويكشفها (كِرامٍ) على الله هؤلاء «بَرَرَةٍ ١٦» أنقياء بارين طائعين لا يخالفونه قيد شعرة، بل لا يعرفون المخالفة وسبب نزول هذه الآيات أن النبي صلّى الله عليه وسلم بينما كان يدعو أشراف قريش إلى الإسلام ويناجيهم أتاه ذلك الأعمى وقال له علمني يا رسول الله مما علمك ربك وهو مدبر عنه ومقبل على أولئك والأعمى لا يدري بتشاغله في غيره فصار يكرر النداء عليه فكره الرسول قطعه لكلامه وقطب وجهه وأعرض عنه وقال في نفسه لعلي إذا أقبلت عليه