لما بينهما من المناسبة في مشقة النفس وتلف المال ولا سيما ذكر الصبر لأن كلّا من الجهاد والحج محتاج إليه لعلاقتهما في ذكر المناسك المتقدمة في دعوة إبراهيم عليه السلام.
[مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:]
قال تعالى «إِنَّ الصَّفا» الحجر الأملس «وَالْمَرْوَةَ» الحجر الأبيض اللين وهما علمان لموضعين معروفين بمكة، وقيل إن صفي الله آدم عليه السلام جلس على الأول فسمي الصفا، وجلست امرأته على الثاني فسمي المروة وهما «مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» وإعلام دينه وكل شيء معلم لقربان يتقرب به إلى الله من صلاة ودعاء وذبيحة، فهو شعيرة من شعائر الله ومشاعر الحج معالمه الظاهرة، فكل من المطاف والمنحر والموقف والمرمى من شعائر الله تعالى أي مناسكه في الحج، وقد جعلها الله أعلاما لطاعته «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ» بالعمرة وهي الزيارة إلى الكعبة في غير موسم الحج أو فيه معه أو دونه «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» بسعى بين الصفا والمروة أي الجبلين الواقعين في طرفي المسعى تجاه البيت الحرام «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً» فعل فعلا زائدا على ما أوجبه الله عليه من الصلاة والصدقة والصيام والحج والعمرة والطواف وسائر أنواع الطاعات والقربات «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ» لطاعته مثيبه عليها «عَلِيمٌ ١٥٨» بحقيقة نيته فيها وإنما قال تعالى من شعائر الله لأن للحج شعائر أخرى سنأتي على ذكرها عند قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) في الآية ١٩٦ الآتية إن شاء الله. وسبب نزول هذه الآية على ما رواه البخاري ومسلم عن عاصم بن سليمان الأحول قال: قلت لأنس أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ فقال نعم لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتى أنزل الله هذه الآية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له أساف، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة، زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا من دون الله، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنيين فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل الله هذه الآية. وهذا هو سبب الكراهة الواردة في