[مطلب من معجزات القرآن الإخبار عن طبقات الأرض، وعن النسبة المسماة ميكروب:]
جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يركب رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا وان تحت البحر نارا وتحت النار بحرا. وورد أن البحر طباق جهنم. هذا وقد يظن من لا خبرة له في طبقات الأرض أنه لا يوجد بحر متوقد، مع أنه ثبت أخيرا أن جوف الكرة الأرضية فيه بحر يغلي كالمرجل، ومن انجرته تحصل الزلازل، ومن شظايا معادنه تحصل البراكين.
وهذا من معجزات القرآن العظيم وإخباره بالغيب، إذ لا يوجد إيّان نزوله من يعلم ذلك. ولعل هذا يظن أيضا أن الميكروب المكتشف أخيرا لم يشر الله تعالى إليه، كلا بل هو موجود، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) الآية ١٠ من سورة الأحزاب ج ٣، وجاء في الخبر: اتقوا الغبار فإن فيه النسمة. وهل النسمة إلا الحشرة الصغيرة التي يسمونها ميكروبا، وهي من الجنود التي لم تر، المشار إليها في كتاب الله، وقد يكون في التراب، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم من أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه. ولهذا ينبغي لمن يأكل الفواكه والخضراوات أن يغسلها جيدا حتى لا يبقى فيها تراب ما، لأنه لا يخلو عن النسمة أي الميكروب، وعليه فلا يظن أحد استحالة جنود لم ترها العيون، لأن الجراثيم الصغيرة التي لا ترى إلى بالمكبرات هي من جنود الله الفتاكة، وان الله تعالى يسوقها مع الرياح ويسلطها على من يشاء من خلقه، وخاصة الطاعون والهواء الأصفر والهيضة المسماة (كوليرا) والهيجان الذي يقتل فيه أقوى جبار في ساعة واحدة، أليس النمروذ أهلك ببعوضة وهو على ما كان عليه من الجبروت، ألا فلا يظن أحدا أن القرآن أغفل شيئا، كيف والله تعالى يقول (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الآية ٣٨ من سورة الأنعام المارة، إلا أنه محتاج لفكر ثاقب وعقل كبير ووعي بالغ وقلب واع ودراسة طويلة، قال القائل:
ومن طلب العلوم بغير درس ... سيدر كها إذا شاب الغراب