للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَمِنْها تُخْرَجُونَ ٢٥» يوم القيامة عند النفخة الثانية «يا بَنِي آدَمَ» اعلموا أنا «قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ» جار مجرى التعظيم.

[مطلب تواصي الله لخلقه والتزين للصلاة وغيرها:]

وكل ما أعطاه الله لعبده فقد أنزله عليه من غير أن يكون هناك علو أو سفل كما تقول رفعت حاجتي إلى الأمير فليس فيه نقل من سفل إلى علو «لِباساً» لما كان المطر سبب النبات وكان النبات سبب اللباس، لأنه يكون من النبات ومن الحيوان الذي يأكل النبات، جعله نازلا باعتبار ما يؤول إليه «يُوارِي» يستر ويغطي «سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً» تتزينون به من الأثاث والمتاع، تقول العرب تريش الرجل إذا تمول، أي كل ما نحتاجونه في دينكم، إلا أن هناك شيئا هو أعظم نفعا لكم إذا تزينتم به «و» هو «لِباسُ التَّقْوى»

الذي يتحلى به الإنسان بامتثال أوامر ربه واجتناب نواهيه «ذلِكَ» لباس التقوى وقد أشار إليه بلفظ البعد تعظيما لشأنه لأن نفعه يؤول إلى الآخرة الباقية فهو حتما «خَيْرٌ» من اللباس والرياش المختصين بالدنيا لأن غايتهما دفع الحر والقر والتنعم في هذه الدنيا الفانية إلى حين، أما لباس التقوى فإنه يقي من عذاب الله ويورث الدار الآخرة الباقية والنعيم الدائم قال:

إذا أنت لم تلبس ثيابا من النقي ... عريت وان وارى القميص قميص

ثم أشار إلى عظمته أيضا فقال «ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» الدالة على فضله ورحمته بعباده إذ أنزل عليهم ماء أنبت به ما يكون لباسا وغذاء للحيوان الذي يكون منه ما يؤكل ويلبس وغيره من الحيوانات الناطقة وغيرها من الوحوش والطيور والحوت «لعلكم تذكرون ٢٦» هذه النعم الدنيوية والأخروية فتشكرونها إظهارا لمنة الله الذي وقاكم من العري وستر عوراتكم وكفاكم مؤنتكم. وفي هذه الآية إشارة إلى أن الستر من التقوى وهو كذلك «يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ» فيوقعنّكم في المحنة إذا أصغيتم لوساوسه ويحرمنكم من الجنة بإغوائه «كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ» آدم وحواء لما انصاعا لخداعه «مِنَ الْجَنَّةِ» المعدة للطائعين

<<  <  ج: ص:  >  >>