للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دبره لأخذ أخيه، وقيل أنه أمر الكيالين أو أحدهم بوضعها في حمل أخيه، لأن الملك عادة لا يباشر ذلك بنفسه كما يفهم من قوله وجهزهم، لأن المجهز فتيانه لا هو والله أعلم أي أنه دسه فيه من حيث لا يعلم هو أيضا، ثم أمرهم بنقل متاعهم وودعهم وتركهم يتحادثون في حسن صنيعه لهم دون سائر الممتارين، حتى إذا علم أنهم تجاوزوا عمران المدينة أرسل إليهم فتيانه وأخبرهم بفقد السقاية وأنهم آخر من خرج من حمل الكيل وأمرهم أن يسرعوا ليلحقوهم ويسألوهم عنها، فتبادروا يهرولون حتى قربوا منهم ولذلك عبر بأداة التراخي قال «ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ» نادى مناد منهم عليهم قائلا «أَيَّتُهَا الْعِيرُ» يا أهلها والعير الإبل المحملة «إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ٧٠» وقصد بمناداتهم بلفظ السرقة سرقتهم إيّاه من أبيه، لأنهم لما احتالوا عليه بأخذه للنزهة وكان قصدهم قتله فكأنهم سرقوه، وهذا من المعاريض وفيها مندوحة عن الكذب، وهذا على القول بأن القائل هو يوسف عليه السلام، وعليه فلم يبق مجال لقول من قال إنه لا يليق به وهو نبي أن يتهمهم بشيء، يعلم أنهم براء منه وعلى القول بأنه أخبر فتيانه الموكلين بالكيل بفقد الصاع وأمرهم أن يتبعوهم لأنهم هم الذين أخذوه ليلحقوهم ويستردوه منهم، ولم يأمرهم بالمناداة عليهم بلفظ السرقة فليس في الأمر شيء من ذلك، والقضية لا تخلو ولكنها للمصلحة، تدبر

«قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ» ووقفوا مكانهم حتى وصلوا إليهم وقالوا أيها الفتيان «ماذا تَفْقِدُونَ ٧١» قالوا لهم ألم يكرمكم الملك ويأمر بحسن قراكم ويبيتكم عنده ووفى لكم الكيل ورد عليكم بضاعتكم قالوا بلى وله الشكر وحسن الثناء منا ما حيينا «قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ» فقدناه بعد ذهابكم ولم نكل لغيركم به فردوه إلينا والله يجزيكم خيرا، واعلموا أن الملك تفضل وقال «وَلِمَنْ جاءَ بِهِ» بأن رده من تلقاء نفسه حلوانا من عنده حلالا «حِمْلُ بَعِيرٍ» من الطعام ثم قال المنادي «وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ٧٢» كفيل بإعطائه لمن يعطينا إياه ويكفينا مؤنة التحري عليه، والزعيم الكفيل بلغة اليمن، ويأتي الحميل بمعنى الكفيل أيضا، قال صلّى الله عليه وسلم الحميل غارم فلما سمعوا بهتوا وردوا عليهم بلسان واحد «قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ» ديانتنا وأمانتنا، وذلك أنهم حينما قربوا من المدينة شدوا أفواه

<<  <  ج: ص:  >  >>