بأن المنزل عليهما ساحران، أو أنهما نفسهما سحر، إذ توجد قراءة «ساحران تظاهرا) والتي عليها المصاحف كما مر «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ» يا سيد الرسل ولم يرضخوا إلى ما كلفتهم به «فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ» الفاسدة وما تسوله لهم أنفسهم من اتباع الزيغ المتحكم بهم، وقد لزمتهم الحجة إذ لا برهان لهم إلا هوى أنفسهم الخبيثة «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ» لا أحد أضل منه البتة، لأنه ظلم نفسه بذلك «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ٥٠ أنفسهم بانهما كهم في هواهم والإعراض عن الرسل وآياتهم الهادية إلى الحق، وهؤلاء الظالمون لا يرشدهم الله إلى هدى دينه القويم، لأن من يضلله الله لا يتمكن البشر من هدايته
قال تعالى «وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ» لقومك يا محمد «الْقَوْلَ» العظيم المنزل عليك آيات بينات متتابعة متصلة بلسانهم، حتى لا يعتذروا بعدم معرفته وتقع عليهم الحجة، وذكرنا لهم فيه أخبار من سلفهم في الدنيا متواصلة بعضها ببعض وكررناها لهم مرارا حتى كأنهم شاهدوها بأم أعينهم «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ٥١ بها وينتبهون إلى خطائهم فيرجعون ويؤمنون بها، فلم يتّعظوا ولم يلتفتوا إليها. واصل التوصيل ضم قطع الحبل بعضها ببعض قال الشاعر:
فقل لبني مروان ما نال ذمتي ... بحبل ضعيف لا يزال بوصّل
وقرأ بعضهم وصلنا بالتخفيف.
مطلب الآيات المدنيات ومحاسن الأخلاق وبمن نزلت:
وهذه الآيات المدنيات الأربع الاول من هذه السورة ذكرت بمناسبة ذكر أهل الكتاب بالآيات المتقدمة، قال تعالى «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» التوراة والإنجيل لأن أل فيه للجنس فيشمل الواحد والمتعدد «مِنْ قَبْلِهِ» قبل محمد وكتابه «هُمْ بِهِ» بمحمد «يُؤْمِنُونَ» ٥٢ لوجود نعمته في كتبهم «وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ» القرآن المنزل عليه «قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ» قبل نزوله «مُسْلِمِينَ» ٥٣ لله مؤمنين به منقادين لأحكام كتبه ومن جملتها الإيمان بمحمد وكتابه «أُولئِكَ» القائلون هذا القول