وان كلا منهم قال نتوب إلى الله، ولا قوة لنا على محاربة الله ورسوله، وصار كل من كان له دين مرابيا به يكلف دائنه بدفع رأسماله فقط قبل حلول الأجل، لأن الدين أصبح قرضا مستحقا، والقرض لا أجل له، إذ يحق للمقرض مطالبة المستقرض متى شاء، فشكا بعضهم الإعسار لأنهم كانوا يستدينون على المواسم ولم ينتهوا لإدائه قبل حلوله، فأنزل الله «وَإِنْ كانَ» المدين فاقد المال «ذُو عُسْرَةٍ» لا قدرة له على أداء ما عليه «فَنَظِرَةٌ» عليكم أيها الدائنون «إِلى مَيْسَرَةٍ» مدينكم بأن تمهلوهم إلى وقت وحالة يتمكنون من الأداء.
[مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:]
وهذه الآية وإن كانت في حق الربا فيدخل في عمومها كل دين مستحق عجز عجز المدين عن أدائه لما فيه من الأجر العظيم، لأن هذه الآية جاءت مستأنفة بدليل قوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) إلخ إذ أثبت الفاعل ولم يضمره ليعود قطعا على المستدين ربا. وكان في الآية تامة بمعنى وجد إذ لو كانت خاصة بدين الربا لقال وإن كان ذا عسرة إلخ ليعود ضمير الفاعل الذي هو اسم كان على المستدين بالربا، ولكانت ناقصة، روى مسلم عن أبي قتادة أنه طالب غريما له فتوارى عنه ثم وجده، فقال إني معسر، قال آلله قال آلله، قال فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من سره أن ينجيه الله من كروب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه. وروى مسلم عن أبي اليسر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من أنظر معسرا أو وضع عنه أظلّه الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله. وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أخذ أموال النّاس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم. ورويا عنه أيضا أنه صلّى الله عليه وسلم قال كان فيمن قبلكم تاجر يداين الناس، فإن رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه. وأخرج أبو داود عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه به