في الآية ١٢٥ من سورة الأنعام المارة في ج ٢، وقطع قلوبهم بقوله عز قوله «وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده، وهذه الجملة رد لقولهم إن النبوة فيهم وليست في العرب، وإن محمدا من العرب ليس منهم، أي لا تحديد لإرادة الله فإنه يختص نبوته من يريد تفضلا منه عليه «وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ١٠٥» ولهذا اختص بها محمدا صلّى الله عليه وسلم.
[مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:]
قال تعالى «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها» نفعا وأسهل عملا وأيسر فعلا وأكثر أجرا وأعظم ثوابا، لا أن آية خير من آية، لأن كلام الله كله خير وكلمه واحد، راجع الآية ١٠١ من سورة النحل في ج ٢، وقال بعض المفسرين نذهب بحفظها من القلوب ومحوها من الكتب، فلم نبق لها أثرا، وقرىء ننسئها أي نؤخرها لوقت آخر «أَوْ» ننزل «مِثْلِها» في النفع واليسر والسهولة والثواب والأجر كالصرف عن استقبال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في الصلاة، لأن المصلي عليه أن يتوجه حيث أمره الله تعالى، فلا فرق عنده بين البيت المقدس والبيت الحرام «أَلَمْ تَعْلَمْ» يا سيد الرسل «أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٠٦» من نسخ وتبديل وتغيير «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» يتصرف فيه كيف يشاء ويريد «وَما لَكُمْ» أيها الناس «مِنْ دُونِ اللَّهِ» إذا أنزل عليكم عذابه بسبب مخالفتكم «مِنْ وَلِيٍّ» يتولى أموركم أو يتولى عليكم فيحفظكم من عذابه «وَلا نَصِيرٍ ١٠٧» يمنعكم من حلوله بكم، أو يشفع لكم عنده. وسبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا إن محمدا يأمر أصحابه بأمر ثمّ ينهاهم عنه ويأمرهم بغيره، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، فما هذا إلا من تلقاء نفسه، فلو كان من عند الله كما يقول لما فعل ذلك. وقيل إن اليهود هم القائلون لهذا القول لا المشركون، لأن حضرة الرسول في بداية أمره كان يتعبد على ما ألهمه الله من شريعة جده إبراهيم عليه السلام والأنبياء بعده، فكلما نزل عليه مما هو معدل لشريعة من قبله يفعله ويترك ما كان يفعله قبلا، ويأمر أصحابه بفعله ويخبرهم بأمر