يوم البعث والحساب والجزاء ترى «الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ» ٣٤ بمقابلة ضحكهم عليهم بالدنيا حين كانوا يرونهم أذلاء مهانين بأعينهم بسبب تسلطهم عليهم وإيقاع الهوان بهم بعد العزة والرفاه، وإرهاقهم بأنواع العذاب بعد التنعم والترف إذ انقلب الأمر بالعكس عند ما أفضى المؤمنون إلى الآخرة، فصاروا يسخرون من الكفار كما كانوا يستهزئون بهم في الدنيا حالة عزّهم وكبريائهم، إذ غاب عنهم ما كانوا فيه، وتباعد عنهم ما كانوا يأملون، وزجوا في العذاب، ولاقوا من الأسى ما لم يكن بالحسبان، وذلك سبب ضحك المؤمنين منهم، لأن ما لا قوه في الدنيا من الوبال قد زال وانقلبوا إلى رضاء ربهم ورحمته، كما أن أولئك زال عنهم نعيم الدنيا، وغشيهم عذاب الآخرة الدائم، فاستوجبوا الضحك عليهم لما هم فيه من البلاء، والمؤمنون في السرور والهناءة، وهناك الضحك لا هنا:
هذى الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبرّ ربنا وأظهر
قال تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية ٣٣ من تبارك المارة، فأولئك في الجحيم وهؤلاء «عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ» ٣٥ هذه الجملة حال من فاعل يضحكون أي يضحكون منهم حالة كونهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان وهم متكئون على سررهم، وأرائك الجنة من الدر والياقوت، قال أبو صالح: تفتح للكافرين أبواب النار وهم فيها ويقال لهم أخرجوا فإذا انتهوا إليها أغلقت دونهم، فيفعل فيهم ذلك مرارا، والمؤمنون ينظرون إليهم ويضحكون منهم.
[مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم:]
قال تعالى «هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ» بعمل الله هذا بهم في الموقف وفي الجحيم، وهل جوزوا في الآخرة جزاء «ما كانُوا يَفْعَلُونَ» ٣٦ بالمؤمنين في الدنيا من الأذى والاستهتار والضحك وغيره، وهذا الاستفهام استفهام تقرير، أي بل إنهم جوزوا حق جزائهم على إجرامهم في الدنيا، وحق لهم أن يفعل بهم هذا لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابا. واعلم أن ثوّب وأثيب بمعنى واحد، قال أوس:
سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي