ألا أبلغ أبا حسن رسولا ... فمالك لا تجيء إلى الثواب
وقال المبرّد هو فعل من الثواب يثوب إلى من علم جزاء عمله خيرا أو شرا، ويعرف بالقرينة، والثواب والتثويب والإثابة سواء، وفعل ثوب يطلق على المجازات بالخير والشر، ولكن اشتهر بالخير وجاء هنا مرادا به الشر على طريق التهكم كقوله تعالى (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الآية ٣١ من آل عمران في ج ٣، وقوله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) الآية ٤٩ من سورة الدخان المارة، فكأنه تعالى شأنه يقول للمؤمنين هل كافيناكم على عملكم الدنيوي وأثبناكم جزاءه خيرا، وهل جازينا الكفرة على أفعالهم وعاقبناهم عليها، أم لا، فيكون هذا القول من الله للمؤمنين زائدا في سرورهم وحبورهم لما فيه من تعظيمهم وإكرامهم، وزائدا للكافرين في أسفهم وحزنهم لما فيه من هوانهم وشقائهم، وما حل بهم هذا إلا بسبب تكبرهم على الفقراء وإهانتهم لهم مع كفرهم وجحودهم، وما كان استخفافهم بفقراء المؤمنين إلا بسبب غناهم وكثرة اتباعهم التي هي من نعم الله عليهم، فبدلا من أن يشكروها ويخبتوا للذي خصّهم بها، طغوا وبغوا، قال تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) الآية ٧ من سورة العلق، وقد سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الغنى والفقر، فقال وهل طعى من طغى من خلق الله إلا بالغنى، وتلا هذه الآية. وإن المحققين يرون الغنى والفقر من قبل النفس لا من كثرة الأموال والأولاد والعشيرة، ولهذا كان الأصحاب رضوان الله عليهم يرون الفقر فضيلة، وقد حدث الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما، فقال جليس الحسن أمن الأغنياء أنا أم من الفقراء؟ فقال تغديت اليوم؟ قال نعم، قال فهل عندك ما تتعشى به؟ قال نعم، قال فإذا أنت من الأغنياء. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلّى الله عليه وسلم يبيت طاريا ليالي ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وكان يأكل خبز الشعير غير منخول، وقد عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأبى أن يقبلها، وكان صلّى الله عليه وسلم يقول اللهم توفني فقيرا ولا تتوفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين.