يساوي الناس، بل يجب أن يتنزه عن مضاهاتهم في المأكل والمشرب والملبس والعمل، ثم تنزلوا عما هو أقل من ذلك كله «أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» على الأقل فيسدّ بها حاجته ويمتاز بها عما من شأن الغير وهم يعلمون أنه ما احتاج قط إلى غيره منذ نشأته بينهم إلا لربّه «وَقالَ الظَّالِمُونَ» وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم في قولهم «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» ٨ مخدوعا مجنونا وقد وصموه بهذا بعد أن وصموه بالشعر والكهانة ووصموا كلام الله بأنه مفترى، وأنه من أساطير الأولين، وانه تعلمه من الغير وانه مملى عليه، إلى غير ذلك.
[مطلب اجتماع أشراف قريش مع حضرة الرسول.]
أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود ابن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية وأمية ابن خلف والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابني الحجاج، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه إذا لم يقبل منكم ما تعرضو عليه من الأمر، فبعثوا إليه ان أشراف قومك اجتمعوا ليكلموك فاحضر، فجاء ولما استقر به المقام، قالوا يا محمد، إنا بعثنا إليك لنعتذر منك، فان كنت إنما جئت بهذا الأمر تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا وإن كنت تطلب الشرف نسوّدك بأن نجعلك سيدا علينا، وان كنت تريد الملك أيضا ملكناك علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي مما تقولون ما جئنكم بما جئنكم أطلب أموالكم أو الشرف فيكم أو الملك عليكم، ولكن الله بعثني رسولا إليه وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون بشيرا بجنته ورضاه إن أطعتم، ونذيرا من سخطه وعذابه إن أبيتم، وإني بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئنكم به فهو حظكم بالدنيا والآخرة، وان تردّوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه