الذلة والمهانة بالتخلف بل رغبوا بما عند الله تعالى من الأجر والثواب ولذلك «جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ» لإعلاء كلمة الله وعزة المؤمنين فرخصوا أنفسهم فباعوها في سبيل الله ولم يحسبوا للموت حسابا، وكان قائلهم يقول:
أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويلك لم تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاع
فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع
فهؤلاء الرّجال الّذين يحبون الموت لتوهب لهم الحياة الطّيبة في الدّنيا والآخرة لا أولئك «وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ» في الدّنيا من الغنائم والتفوق على غيرهم من الإقدام والتفادي «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(٨٨) الفائزون في الآخرة إذ «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها» جزاء طاعتهم لله ورسوله «ذلِكَ» الجزاء الحسن هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(٨٩) الذي لا يوازيه فوز، وفخر عظيم لا يعادله فخر، وأجر كبير لا يقابله أجر.
[مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:]
قال تعالى «وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ» بتشديد الذال ومن شدد العين معها فقد أخطأ، لأن الذال تدغم مع العين للتضاد، ولم يقل أحد بتنزيل التضادّ منزلة التناسب، وقرىء المعتذرون أي طالبي العذر، لأن التاء للطلب على أن الأصل المعتذرون، فأدغمت التاء في الذال ونقلت حركتها إلى العين، وذلك لما رأوا أن سقط في أيديهم، ولم يروا أن الأرض تسعهم مما لحقهم من الخجل ممن كان من أصحابهم مع حضرة الرّسول صلّى الله عليه وسلم، وهم «مِنَ الْأَعْرابِ» الّذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك بعد أن عاد منها حضرة الرّسول وصاروا يعتذرون إليه بأن عدم خروجهم معه كان خوفا من أن بغير أعداؤهم على أموالهم وذراريهم حالة غيابهم وطلبوا منه «لِيُؤْذَنَ لَهُمْ» بقبول عذرهم والمعذر من يرى أن له عذرا ولا عذر له، وهؤلاء الّذين تخلفوا كسلا، وأما المتخلفون نفاقا فهم المذكورون