الأرض أو داخلها أو كان عائما في الماء أو الهواء لأنه إذا اتصل بالأرض دب عليها فالكل داخل في معنى الآية ووجه المماثلة هو أن كل حيوان يعرف خالقه ويوحده ويسبحه ويصلي له بحسبه قالا أو حالا، قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الآية ٤٤ من الإسراء المارة في ج ١، وكما أن البشر مخلوق لله فهي مخلوقة له وكما أن البشر يألف بعضه بعضا فهي يألف بعضها بعضا أيضا، وكما يفهم بعضه على بعض يفهم بعضها على بعض، وكما أنه يموت ويبعث فهي أيضا كذلك وقد اقتصر الله تعالى على ما في الأرض في هذه الآية وإن كان ما في السماء أمما أيضا مخلوقة له جل شأنه ولكنها غير مشاهدة وقد جاءت الآية بمعرض الاحتجاج والاحتجاج بالمعاين أولى منه فيما لم يعاين وفي ذكر الجناح للطائر إشارة إلى أنه تعالى سيحدث طائرا بلا جناح يتحرك بطبعه مما هو داخل في قوله تعالى بمعرض ذكر الأنعام (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) مما كان من الدواب والملك التي تركب ومما سيكون من هذا النوع بعمل البشر الكائن بتعليم الله إياه وإلا فما هو الموجب لتقييد الطير بالجناح ومن المعلوم أن الطائر لا يكون بلا جناح فتنبه رحمك الله إلى معجزات القرآن العظيم التي تظهر أولا بأول وقد ظهرت الأفلاك العظام كما وصفها الله بقوله (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) الآية ٢٤ من سورة الرحمن في ج ٣، ثم السيارات ثم الطائرات ولا تزال تظهر هذه المصنوعات البشرية بما يفوق العقل تصورها راجع الآية الثانية من هذه السورة.
[مطلب كل شيء في القرآن مما كان ومما سيكون والآية الخارقة لعقيدة المعتزلة:]
وهنا يظهر سر قوله تعالى «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» مما علمه البشر ومما لم يعلمه بدليل التنكير والتفريط يتعدى بعن وقد ضمن هنا معنى ما أغفلنا ولا تركنا شيئا إلا وقد أشرنا إليه في اللوح المحفوظ وألمعنا إلى بعض ما في علمنا في هذا القرآن من أمر الدين والدنيا والآخرة، روى البخاري عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله، فقالت له امرأة في ذلك فقال ومالي لا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله فقالت له قرأت ما بين اللوحين (تريد القرآن كله)