هذه الآيات ليبعد جنابه العالي عن هذه الحالة ولا يحرص على إيمانهم إذ سبق في قضائه عدم إيمانهم لأنهم في معزل عن الإجابة لدعوته لانهماكهم في مهاوي الكفر واقتصارهم على الأقوال الفارغة وإذ زاد القول فقد نقص العمل، واعلم أن هذه في أناس مخصوصين علم الله موتهم على الكفر ولهذا قال تعالى «إِنَّما يَسْتَجِيبُ» لك ويقبل دعوتك «الَّذِينَ يَسْمَعُونَ» تلاوتك سماع قبول بآذانهم وتعيها قلوبهم «وَالْمَوْتى» الكفار الذين لا يصغون لقولك ولا يتعظون بوعظك «يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ» يوم القيامة فيسألهم عن عدم إذعانهم هذا «ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ٣٦» بعد الحساب فيجازيهم على إعراضهم قد شبههم الله تعالى بالموتى بجامع عدم الإجابة والإسماع في كل منهما ولأن الجاهل ميت قال الشاعر:
لا يعجبن الجهول بزيه ... فذاك ميت ثيابه كفن
وقال: أبا سامعا ليس السماع بنافع ... إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع
إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزا ... فما أنت في يوم القيامة صانع
«وَقالُوا» أولئك الكفرة «لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ» تشهد على رسالته مثل الأنبياء قبله لآمنا به فأنزل الله تعالى إنزاله «قُلْ» لهؤلاء الكفرة يا سيد الرسل «إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً» مثل ما أنزل على من قبلك «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ٣٧» عاقبتها لأنهم إذا لم يؤمنوا بالآيات المقترحة يستأصلون بالعذاب دون مهلة ما كأمم الأنبياء قبلهم الذين أعطوا ما اقترحوه ولم يؤمنوا فأخذهم الله والله تعالى عالم بأن هؤلاء المقترحين لا يؤمنون وان الذين سيؤمنون منهم لم يحن وقت إيمانهم المقدر لهم وان البلاء إذا نزل عم راجع الآية ٢٥ من سورة الأنفال في ج ٣، على أن من يريد الإيمان عن صدق فلديه القرآن أكبر آية وأعظم معجزة وأجل برهان ولكن لا يقصدون من ذلك إلا العناد والتمادي في الضلال «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ» من كل ما دب على ظهرها «وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» أي أن كل جنس من الحيوان أمة مثل البشر والجن، فالطير أمة والوحش أمة والحوت أمة والجراد أمة والديدان أمة وهلم جرا من كل ما كان من خلق الله بالولادة أو التوالد سواء كان على وجه