للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف وهو يأمر عباده بالوفاء ويعيب الناكثين والمخلفين، إلا أن لوعده أجلا لا يتخطاه «وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ٣٤» أخبارهم التي قصصناها عليك من قبل وظفرهم بعد صبرهم فما عليك إلا الانتظار لهذا الظفر القادم «وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ» عن الإيمان بك واستعظمت ذلك ولم تركن إلى الصبر فافعل ما بدا لك «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ» سريا ومنفذا من تحتها بدليل الظرفية فانفذ فيه «أَوْ سُلَّماً» تصعد عليه «فِي السَّماءِ» فاصعد إليها، وفي هنا بمعنى إلى لأن حروف الجر تخلف بعضها والسلّم يذكر ويؤنث.

قال أوس في تأنيثه:

لنا سلم في المجد لا يرتقونها ... وليس لهم في سورة المجد سلم

وقال في تذكيره:

الشعر صعب وطويل سلّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

أي إذا كان لك شيء من ذلك فافعل «فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ» تدل على صدقك وتمنعهم من تكذيبك فافعل ولكنك لست بفاعل ما لم نقدرك على فعله وحيث كان كذلك فما عليك إلا أن تتحمل وتصبر، نزلت هذه الآية العظيمة في المنزل عليه صلّى الله عليه وسلم حين عظم عليه استهزاء قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الإعراض عن الإيمان وتاقت نفسه الكريمة أن يظهر الله تعالى على يده الآيات التي طلبها قومه ليسلّموا له ويؤمنوا بربه فأخبره الله بهذه الآية بما يقطع أمله من ذلك لأن إنزال الآيات مقدر على أوقات وأسباب لا تتعداها وكذلك الإيمان وعدمه موقت بأوقات لا يتخطاها سواء أجيب طلبهم أم لا، ثم أخبره بما هو مراده في الأزل فقال «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى» من دون إرسالك إليهم ولكنه لم يشأ فلا تتعب نفسك وتتأذى بما تراه منهم لأن المشيئة قضت بذلك وفاقا لما هو مقدر عليهم في الأزل الذي لا يتغير ولا يتبدل، فاعلم هذا وتبه وإياك أن يخطر ببالك ما لم يكن في مراد الله فإنه لا يكون «فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ٣٥» الذين يشوبهم الجزع ويضيق صدرهم لكل بادرة فأنت على ما أنت عليه من سعة الخلق وشرح الصدر وطول البال ولين الجانب. وإنما غلظ تبارك وتعالى لحبيبه هذا الخطاب في

<<  <  ج: ص:  >  >>