[مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:]
قال تعالى «وَوَصَّى بِها» بكلمة الإسلام هذه التي أمره بها ربه «إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ» أيضا وصّى بها بنيه، والوصية آكد من الأمر لأنها تكون عند الخوف من الموت فيحتاط بها الإنسان الى ما هو أحوج، وقال كل منهما في وصيته لمن بعده «يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ» الحق الذي هو عبادته وحده والاعتراف والعمل بما أمر به والاجتناب عما نهى عنه فتمسكوا به وأمروا به غيركم «فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٣٢» لله مخلصون له مصدقون بما آتاكم، واحذروا كل الحذر من المخالفة والتقصير بنصح الخلق فإنكم مسؤولون عنهم كما أنكم مسؤولون عن أنفسكم، ولما قال اليهود لحضرة الرسول إن يعقوب أوصى عند موته باليهودية فكذبهم الله تعالى بقوله «أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ» حتى تقولوا أوصى بذلك كلا لم تكونوا ولم يوص، ثم بيّن لهم لفظ وصيته بقوله «إِذْ قالَ لِبَنِيهِ» الإثني عشر لما ذكرهم في الآية ٧ من سورة يوسف فى ج ٢ عند وفاته على طريق الاستفهام والاستخبار «ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي» إذا أنا مت قبلكم «قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ١٣٣» الآن وبعد وحتى نلقاه مخلصون له وحده، ثم توفي عليه السلام بعد أن أخذ عليهم هذا العهد بإقرارهم فمن أين تقولون أنه أوصى باليهودية يا أعداء الله وهو قد توفي على هذه الوصية، ولم تكن إذ ذاك يهودية، إذ كانت على عهد موسى، راجع الآية ١٥٦ من الأعراف في ج ١ فأعرض عنهم يا سيد الرسل وقل لهم «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ» من الخير في أقوالها وأفعالها، ونواياها «وَلَكُمْ» معشر أهل الكتاب «ما كَسَبْتُمْ» من العمل والقول والنية أيضا «وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ١٣٤» كما نحن لم نسأل عن عملهم لأن كلا يسأل عن عمله فقط، وقدمنا في الآية ٢٦ من سورة العنكبوت في ج ٢ مبدأ هجرة إبراهيم وإسكان ابنه إسماعيل في مكة شرفها الله، ونذكر الآن منها من آخر ما ذكرناه هناك كما وعدنا. قال فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل عليه السلام ليطالع تركته فلم