وغيرها مما لا يحصر لونا وجنسا وشكلا ونوعا، مع أنها تخرج من أرض واحدة وتسقى بماء واحد، وتتفاوت بالنمو وتختلف بالحجم والطعم، وتنضج بسبب واحد، وتختلف بذلك كله، فسبحان البالغ بالقدرة والصنع «وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ» طرق جمع جادة، ويأتي بمعنى النهر وطريقه، وخطط مختلفة اللون أيضا منها «بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها» لأن كل طريق على لون أرضه، وكل لون يتشعب منه ألوان كثيرة من الزرقة والصّفرة «وَغَرابِيبُ سُودٌ» ٢٧ يقال أسود حالك لشديد السواد تشبيها بالغراب، كما يقال أبيض ناصع وأحمر قاني، وما أشبه ذلك، والغربيب أبعد لون في السواد، وجاء في الحديث: إن الله يبغض الشيخ الغريب الذي يخضب شعره بالسواد ويتمادى في السّفه أو الذي لا يشيب لسفاهته وعدم اهتمامه بآخرته، وفي مثله يقول الشاعر:
العين طامحة واليد شامخة ... والرجل لائحة والوجه غربيب
يريد أن شعره أسود حالك وكلمة سود بالآية بدل من غربيب المعطوفة على بيض، وهي لم تتكرر بالقرآن «وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ» أيضا لأنها كلها من الأرض، والأرض متنوعة فتتبع أصلها «كَذلِكَ» كاختلاف الأثمار والجبال. وهنا تم الكلام فيما يتعلق بذلك.
[مطلب خشية الله تعالى:]
ثم يبدأ بقوله «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» قال ابن عباس: إنما يخافني من علم جبروتي وعزتي وسلطاني. وقال مقاتل: أشد الناس خشية لله أعلمهم به. وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله ليس بعالم. روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: صنع رسول الله شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فو الله إني لأعلمهم به وأشدهم له خشية (ومعنى ترخّص أي لم يشدد فيه، وتنزه تباعد عنه وكرهه) ورويا عن أنس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم