للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرا، فغطى أصحاب رسول الله وجوههم لهم خنين (بكاء مع غنة) والمراد بالعلماء هنا المخلصون العارفون بالله العالمون بما يليق به من صفات وأفعال حق العلم والمعرفة، لا العالمون بالمنطق واللغة والهندسة والرياضيات والكيمياء والسحر وغيرها، لأن هذه وإن كانت علوما يطلب تعليمها لمصالح الدنيا، إلا أنها لا تكون مدارا لخشية الله المنوه بها في الآية التي كلما ازداد بها العالم معرفة ازداد معرفة بالله، وكان أكثر خشية له من غيره. نعم إن في علم الطب وتشريح الأعضاء والوقوف على كامل خلق الله ما يوجب الخشية لله والرجوع إليه، وجدير بالكافر أن يؤمن إيمانا كاملا لما يرى من بديع صنع الله في خلقه، ولكن قليل ما هم أولئك الذين يتفكرون في ذلك. روى الدارمي عن عطاء قال: قال موسى عليه السلام: يا رب أي عبادك أحكم؟ قال الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال يا رب أي عبادك أغنى؟

قال أرضاهم بما قسمت له. قال يا رب أي عبادك أخشى؟ قال أعلمهم بي.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا أخشاكم لله وأتقاكم له. وقرأ بعضهم برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء، وأول يخشى بيعظم، وليست بشيء لأن يخشى لا يأتي بمعنى يعظم من حيث اللغة فضلا عن انها قراءة بخلاف الظاهر، ولذلك لا عبرة بها، وإن كان المعنى صحيحا لما فيها من التكليف دون حاجة، والتأويل دون مستند ومعناها على الوجه الذي ذكرناه أولى وأليق «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» غالب كامل القدرة على الانتقام ممن لا يخشاه «غَفُورٌ» ٢٨ لمن خشيه وأناب إليه. واعلم أنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة، ومن كان كذلك فحقه أن يخشى، قالوا أنزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه إذ ظهرت عليه خشية الله حتى عرفت فيه، وهو أحق وأولى أن تنزل فيه الآيات، إلا أن الآية عامة، ولا دليل يخصصها بأحد فيدخل فيها أبو بكر دخولا أوليا، وكل من يخشى الله إلى يوم القيامة خشية حقيقية قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ» مع حضرة الرسول قبل أن تفرض عليهم تأسيا به «وَأَنْفَقُوا» تطوعا على الفقراء والمساكين من قراباتهم وغيرهم في سبيل الله ابتغاء مرضاته «مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>