بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال تعالى:«إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ١ وَأَذِنَتْ» سمعت وأجابت وأذعنت وخضعت «لِرَبِّها» في ذلك الانشقاق، وهو مثل انفطرت في السورة المارة من حيث المعنى. وأعلم أن انشقاق السماء وإن ثبت في هذه الآية نصا إلا أن موضعه وكيفيته غير معلومة على القطع، وقد عثرنا على ما أخرج ابن أبي حاتم عن علي كرم الله وجهه أنها تنشق من المجرّة، وقد جاء بالآثار أن المجرة باب السماء، وقال بعضهم إنها وسط السماء، وقال أهل الهيئة إنها نجوم صغار متقاربة بعضها من بعض، وقولهم هذا لا ينافي كونها باب السماء ووسطه، وان مصعد الملائكة ومهبطهم منها والله أعلم. وما قيل إن النبي صلّى الله عليه وسلم حين أرسل معاذا إلى اليمن وقال له إنهم سائلوك عن المجرة فقل لهم إنها لعاب حية تحت العرش لا يصح، وليس هو من متعلقات الدين حتى يوصيه به. وأذن بمعنى سمع وارد في كلام العرب، قال قغيد:
إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا ... وما هم أذنوا من صالح دفنوا
وقال الآخر:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
أي سمعوا وصاروا كلهم آذانا وسماعها انقيادها لأمر الله بما يراد منها.
«وَحُقَّتْ» ٢ أي وحق لها إطاعة ربها، وليس لها أن تأباه أو تمتنع عنه لأنها مخلوقة له، ولا على المخلوق إلا إطاعة خالقه «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» ٣ بسطت وسوّيت باندكاك جبالها وبنائها في أوديتها وبحورها «وَأَلْقَتْ ما فِيها» من الأموات المكفوتين بها «وَتَخَلَّتْ» ٤ عن كل ما فيها «وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ» ٥ وحق لها أن تنقاد لأمره في ذلك كله لأنه هو الذي صنعها وأودع مكوناته فيها. أخرج أبو القاسم الجيلي في الديباج عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجلس جالسا في قبري، وان الأرض تحرك بي، فقلت لها مالك؟ فقالت إن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت، إذ لا شيء فيّ وذلك قوله تعالى (وَأَلْقَتْ) الآية. ولا تكرار هنا لأن الآية الأولى لما يتعلق بالسماء، وهذه