للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يفسح لهم طريقا للانفاق وعمل الخير ومساواة الفقراء والمساكين «أُولئِكَ» الّذين هذه صفتهم هم «حِزْبُ الشَّيْطانِ» وأولياؤه وحلفاؤه وأنصاره «أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ» (١٩) في الدّارين. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» يعادونهما وأوليائهما ويتعدون حدودها ولا يعملون بأوامرها «أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ» (٢٠) في جملة من أذلهم الله في الدّنيا وإن ما هم عليه من النّعم الفانية لا قيمة لها لأن مرجعهم للآخرة التي سيهانون فيها ويحقرون ويعلمون أن ما رأوه في الدّنيا هو ذلّ أيضا بسبب تكالبهم على جمعها وعدم مبالاتهم بجمعه إذ لا يتورعون عن مغصوب وحرام، فالعز الذي نالوه من هذا المال هو ذل أيضا من حيث النّتيجة.

قال تعالى «كَتَبَ اللَّهُ» في لوحه المحفوظ أذلا «لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» المحادين والمخالفين والمعرضين مهما كانوا عليه من قوّة ومنعة «إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ» لا يغلب منيع لا ينال «عَزِيزٌ» (٢١) لا يدرك عظيم لا يرام راجع الآية ١٧٢ من الصّافات في ج ٢ والآية ٥٦ من المائدة الآتية واعلم يا سيد الرّسل انك «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فإذا رأيت متصفا بالإيمان موادا لهؤلاء فاحكم بنفاقه وبأن إيمانه صوريّ لا ينتفع به، لأن المؤمن لا يوالي الكافر ولا يخالف الله ورسوله ولا يحب أعدائهما، لذلك من الممتنع جدا أن تجد قوما مؤمنين متصفين بتلك الصّفات «وَلَوْ كانُوا» أي المحادون «آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» فلا ينبغي أن يوالوهم، بل يجب عليهم أن يخذلوهم ولو كانوا أولى الناس بهم. ولهذا البحث صلة في الآية ٣٤ من سورة التوبة الآتية فراجعها.

ولهذا فإن عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قتل أباه يوم أحد، وعبد الله استأذن حضرة الرّسول بقتل أبيه عبيد الله أبي بن سلول كما مر في الآية ٨ من سورة المنافقين، وأبا بكر الصّديق رضي الله عنه أراد قتل ابنه يوم بدر فمنعه حضرة الرسول من مبارزته، ومصعب ابن عمر قتل أخاه عبد الله وأبو عبيدة بن الجراح وحمزة بن عبد المطلب وعلي كرم الله وجهه قتلوا عتبة وشيبة بن ربيعة، والوليد ابن عتبة يوم بدر وهم من عمومتهم، وعمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام

<<  <  ج: ص:  >  >>