الرسول ولزوم اتباعه عند ظهوره، يؤمنون به فتذهب الرياسة منهم لأنهم يتبعونه ويتركونهم «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» مع المسلمين كما أمرتهم بالقرآن بإقامتها «وَآتُوا الزَّكاةَ» المفروضة عليكم لأنها لم تفرض بعد على المسلمين، وقد تكرر أن ذكرنا أن الصلاة والزكاة لم تخل أمة منهما من لدن آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهما ومن بينهما من الأنبياء «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ٤٣» من المسلمين وصلوا مثل صلاتهم جماعة بركوع وسجود، وذلك أن صلاتهم لا ركوع فيها أي آمنوا وأقيموا شعائر المؤمنين مع النبي محمد وأصحابه. وأنزل الله في رؤسائهم قوله جل قوله «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ» البر كلمة جامعة لكل خير وطاعة «وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» فلا تعملون به، وذلك أن منهم من كان يأمر أقرباءه وحلفاءه وأصدقاءه باتباع محمد صلّى الله عليه وسلم، والثبات معه على دينه سرا، ويقولون لهم إنه نبي آخر الزمان حقا، وان التوراة تأمر باتباعه، وهم يعدلون عن الإيمان به حرصا على بقاء الرياسة بأيديهم، وما يأخذونه منهم من حطام الدنيا، أي كيف تفعلون هذا «وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ» التوراة وتعلمون بما فيها من الحق والأمر باتباعه ومجانبة الباطل «أَفَلا تَعْقِلُونَ ٤٤» أيها الأحبار والرؤساء والقادة، أن ذلك منقصة في دينكم ودنياكم، إذ لا يليق بالإنسان أن يأمر بما لا يفعل وينهى عما يفعل. قال تعالى (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) الآية ٨٨ من سورة هود في ج ٢، وقال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي هذه الآية تقريع وتوبيخ لهم عنى ما هم عليه. ويؤذن الاستفهام فيها بالتعجب من حالهم والإنكار لأفعالهم.
[مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:]
واعلم أن العقل لغة الإمساك، وهو مأخوذ من عقال الدابة ليمنعمها من الشراد، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والأفعال القبيحة. واصطلاحا قوة تهيء قبول العلم فتصير لصاحبها ملكة بميز فيها الخير من الشر. وهو قسمان وهي وكسبي،