اقتصر أمره على الإنذار والتبشير والتبري مما هم عليه من القبائح، لا منهم لأنه لو أمر بالتبري منهم لما بقي شفيعا للعصاة يوم القيامة.
[مطلب أن الأقارب أولى من غيرهم في كل شيء:]
وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية السيف قيل لا قيمة له، لأن معناها صحيح قبل آية السيف وبعدها، وحكمها باق، لأن لأقربين لهم مزية على غيرهم، ولين الجانب مطلوب للجميع ومن الجميع، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين انزل الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال يا معشر قريش أو كلمة غيرها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، سليني ما شئت من مالي. وحديث البخاري ومسلم عن ابن عباس في هذا المعنى تقدم في سورة المسد المارة، فراجعه. وروى مسلم عن قبيصة بنت مخارق وزهير بن عمر قال: لما نزلت وأنذر الآية انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى رحمة جبل فعلا أعلاها ثم نادى: يا بني عبد مناف اني نذير لكم، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف يا صاحباه، وروى محمد بن اسحق بسنده عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لما نزلت هذه الآية على رسول صلّى الله عليه وسلم قال يا علي إن الله أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها صمتة حتى جاءني جبريل، فقال يا محمد إن لا تفعل ما تؤمر يعذبك ربّك، فاصنع لي طعاما واجعل لنا عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به، ثم دعوتهم له وكانوا يومئذ أربعين رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئت به فتناول صلّى الله عليه وسلم جذبة من بعض اللحم، فشقها بأسنانه ثم ألقاها في الصفحة، ثم قال خذوا باسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء من حاجة، وايم الله إن كان الرجل