المعنى أيضا، ووضعت البسملة لكل منهما، إذا فلا دليل لمن قال إنهما سورة واحدة إلا اشتباهه بالتوبة بحسب ترتيب القرآن تحت الأنفال وعدم وضع البسملة أولها، ولم يعلم أنها نزلت بلا بسملة، ولم يدر مدى المدة الكائنة بينهما بحسب النّزول، وغاب عنه أن لكل منهما اسم على حدة، فنلك الأنفال لا غير، وهذه لها عشرة أسماء: براءة لما فيها من التبري ونبذ العهود، والتوبة إذ تسبب فيها على المخلفين، والفاضحة لأنها فضحت أحوال المنافقين، والمقشقشة لأنها قشقشت النّفاق أي برأت منه، والمبعثرة لأنها تبعثر أي تبحث عن أحوال المنافقين، والكافرين، وسورة العذاب لما فيها من كثرة ذكره والمخزية لما جاء فيها من إخزاء المنافقين، والمدمّرة لما ذكر فيها من إهلاكهم، والمشرّدة لأنها شردت جموعهم وأتباعهم، والمثيرة لأنها أنارت أي أظهرت معاينهم وكشفت أسرارهم وهتكت أستارهم.
هذا ويكره ابتداؤها بالبسملة لأنها نزلت بغيرها، ولأن حضرة الرّسول لم يبسمل عند قراءتها، ولم يثبت لها البسملة بالصحف ولم يأمر الكتبة بذلك، وقد خصت بعدمها من جميع سور القرآن، وما عموم إلّا وخصص، فهذه من المخصوصات بعدم البسملة، ولكن يسن للقارى أن يتعوذ أولها كسائر آيات القرآن لقوله تعالى:
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) الآية ٩٩ من سورة النّحل في ج ٢.
قال تعالى يا أيها النّاس هذه «بَراءَةٌ» قاطعة حاسمة «مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(١) وقد جاء الخطاب فيها بلفظ الجمع تعظيما لسيد المخاطبين وتفخيما لمقامه الكريم عند الله، وإذ كان الإنذار بإنهاء العهود الكائنة مع حضرة الرّسول والكافرين، ينذرهم بالغزو والإقسار على الإيمان، رأينا أن نذكر أولا غزوات حضرة الرّسول التي جاء ذكرها في القرآن العزيز ليطلع عليها القارئ ويعرف أسبابها وماهياتها ونتائجها، وهي اثنتا عشرة غزوة: الأولى غزوة بدر التي نوه الله بها في الآية ٦ من الأنفال عند قوله تعالى (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) إلخ، الثانية غزوة أحد الملمع إليها في الآية ١٤٠ من آل عمران عند قوله تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) إلخ، الثالثة غزوة حمراء الأسد المشار إليها في الآية ١٧٣ من آل عمران أيضا عند قوله تعالى (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ)