للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك المكر ويدبرون المكايد بشأنك «وَيَمْكُرُ اللَّهُ» بما أعده لهم من العقاب لينزله عليهم ويريك الطريق الموجب لخلاصك منهم بما فيه الخير والمصلحة لك وللمؤمنين بك «وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) » أقوى وأعظم تدبيرا. منهم. وأنفذ وأبلغ تدبيرا وتأثيرا فيهم، وسمي جزاء الله مكرا للمقابلة والمشاكلة، وقدمنا قسما من قصة الهجرة في الآية ٤٠ من سورة العنكبوت، وكان فيها الخير والكرامة له ولأمته إذ كان ما وعده الله به من النصر وانتشار الدعوة متوقفا عليها، وإلا لما هاجر، لأن أكثر أهل مكة من أقاربه وبوسعهم حمايته ممن عاداه وناوأه منهم، فضلا عن أنه بحماية الله القادر على هلاك من يرومه بلحظة واحدة، ولو كانوا أهل الأرض كلهم، لهذا فلا يقال إنه هاجر خوفا من القتل أو غيره، تدبر هذا واقمع به قول من قال بخلافه وراجع ما ذكرناه في قصة الهجرة من سورتي العنكبوت والمطففين في ج ٢.

قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا» كفار مكة عنادا ومكابرة «قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا» الذي يتلوه محمد «إِنْ هذا» ما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) » خرافاتهم وأكاذيبهم، كان النضر ابن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار في بلاد فارس وكان أتى بنسخة من حديث رستم وإسفنديار وأحاديث العجم، وكان يخالط أهل الكتاب ويسمع منهم ويطلع على عادتهم وعبادتهم، فقال ما هذا الذي يقوله محمد ويزعم أنه من عند الله إلا من ذلك ولو أردت لقلت مثله، فقال له الرسول ويلك هذا كلام الله فكيف تقول مثله، وهو كقول ابن سرح الذي أشرنا إليه في الآية ٩٣ من سورة الأنعام في ج ٢، فنعى الله عليه كذبه في هذه الآية، وأنزل في أبي جهل وأضرابه قوله عزّ قوله «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا» الذي يتلوه محمد «هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) » ولم يقولوا لجهلهم اللهم اهدنا إليه. وقد نزل في هذا الخبيث بضع عشرة آية منها (سَأَلَ سائِلٌ) فحاق به العذاب، وقتله يوم بدر حضرة الرسول بيده هو ورفيقه طعيمة بن عدي وعقبة بن معيط، وشر الناس من يقتله خير الناس، ثم أشار جلّ شأنه لحضرة الرسول بأن هؤلاء مرصدون بالعذاب إذا هاجرت عنهم بقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>