«وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» يا سيد الرسل، أي أن عذاب الاستئصال لا يحل بهم وأنت بين أظهرهم، لأنك بعثت رحمة لهم وللعالمين أجمع، وإن إيقاع عذاب الاستئصال على أمة حال وجود رسولهم خارج عن عادة الله التي سنها في خلقه. ويجوز أن يكون المعنى لو كنت فيهم لم يعذبوا بالقتل والأسر في الدنيا لأن منهم من سبقت له العناية بالإيمان كأبي سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن خزام وغيرهم، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم إن الله أنزل علي أمانين لأمتي (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) الآية، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة- أخرجه الترمذي عن ابن عباس عن أبي موسى الأشعري-.
«وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) » فلو استغفروا لم يعذبهم أيضا، وقد نزلت هذه الآية لأن كفار قريش قالوا عند نزولها إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولا يعذب أمة ونبيها معها، فأصروا على ما هم عليه جهلا منهم، ولم يعدّوا ذلك نعمة عليهم فيرجعوا إلى الله، بل لازمهم الغرور فرد الله عليهم بقوله «وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ» أي شيء يمنعه من تعذيبهم بعد خروجك منهم وكيف لا يعذبهم «وَهُمْ يَصُدُّونَ» الناس وأنفسهم «عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» من هم أولى به منهم كالرسول وأصحابه «وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ» أي المسجد كما يزعمون. وهذه الآية من دلائل النبوة إذ آل أمر البيت بعد نزول هذه الآية بثماني سنين إلى الرسول وأصحابه وجاءت ردا لهم إذ يقولون إنا أولى به منهم «إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ» الكفر والمعاصي لا المقيمون عليها «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) » ذلك جهلا منهم، وبعضهم يعلم ويقول ذلك عنادا. روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو جهل (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية فنزلت (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) الآية، قال ولما خرج من بيته حين بعثوا عليه شبانهم ليقتلوه خرج خفية وترك عليا بمكانه وذهب إلى بيت أبي بكر ثم إلى الغار نزلت (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ) الآية.
قال تعالى «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً» صفيرا «وَتَصْدِيَةً» تصفيقا ومن كانت هذه صلاتهم فليسوا بأهل لأن يكونوا أولياء له، ولهذا يقال