القرآن لا يرتاب فيه لوضوح أمره ولأنه «آياتٌ بَيِّناتٌ» لا تحتاج للروية ثابتات «فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه، وبسبب رسوخه في الصدور لا يقدر أحد على تحريف أو تغيير أو تبديل شيء منه البتة، لأن الله تعالى تعهد بحفظه من ذاك، راجع الآية ٤٢ من سورة السجدة والآية ٩ من سورة الحجر المارتين، وقد جاء في وصف هذه الأمة المحمدية:
صدورهم أناجيلهم. والمراد بالذين أوتوا العلم، علماء أصحابه كما رواه الحسن، وروى بعض الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم الأئمة من آل محمد صلّى الله عليه وسلم.
«وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا» هذه مع وضوحها «إِلَّا الظَّالِمُونَ» ٤٩ أنفسهم مكابرة وعنادا «وَقالُوا» أولئك الظالمون «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ» كما نزل على من قبله من الأنبياء كموسى وعيسى وصالح وهود وإبراهيم وغيرهم من قلب العصا ثعبانا وإحياء الموتى وإظهار الناقة وعدم إحراق النار لآمنا به، وإذ لم يأت بشيء من ذلك ولا مما يشابه آيات من قبله فلا نؤمن به، لأنه لو كان نبيا لأتى بمثل ما أتوا به. «قُلْ» يا سيد الرسل «إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ» ما عندي منها شيء ولا أستطيع إظهار شيء إلا بإذن الله، فهو الذي يعطيها من يشاء من عباده وينزلها بحسب مقتضيات حكمته، لا دخل لي ولا للأنبياء قبلي بها البتة «وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ» ٥٠ ما يوحى إلي إليكم، وكذلك الأنبياء من قبلي، وليس من شأني ولا من شأنهم إنزال الآيات أو قسر الأمم على الإيمان إلا بمشيئته. ونظير هذه الآية الآية ٣٨ من سورة الأنعام، ومثلها في المعنى في يونس وهود المارات، وفي الآية ١٣٤ من سورة طه في ج ١ والآية ٧ من سورة الرعد في ج ٣ وغيرها كثير.
قال تعالى ردا عليهم «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ» يا محمد «الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» على مر العصور والدهور تتلوه عليهم وأنت أمي معلوم عندهم، ويتلوه من منّ عليه بتعليمه منهم ومن غيرهم إلى يوم القيامة، فإن كانت لهم عقول فهذه آية كافية لمن يريد أن يهديه الله، ومن يضله الله لا تنفعه الآيات، وناهيك بالقرآن أنه آية دائمة باقية، وأن آيات الرسل كلّها انقرضت ولم يبق إلا خبرها «إِنَّ فِي ذلِكَ» أي إنزال القرآن وبقاؤه الآخر الدوران لأكبر